بعد الاتفاق بين الكتل العراقية المختلفة علي توزيع الرئاسات للجمهورية والحكومة والبرلمان ومجلس السياسات الاستراتيجية زفت واشنطن هذا الاتفاق للعراقيين والأمريكيين باعتباره انتصارا أمريكيا وهزيمة للإيرانيين، الذين حاولوا الهيمنة علي العراق بتشكيل حكومة طائفية تستبعد كتلة العراقية التي تضم السنة.. فهل صحيح أن إيران خسرت في العراق بالاتفاق الذي سعت أمريكا بقوة من أجل ابرامه وقامت برعايته؟ وحينما بدا أنه سينهار حينما انسحبت كتلة العراقية من جلسة البرلمان تدخل الرئيس أوباما شخصيا من أجل انقاذ هذا الاتفاق بتقديم ضمانات لعلاوي تؤكد له تنفيذ ما اتفق عليه مع قادة الكتل الأخري. فهل صحيح خسرت إيران في العراق بالاتفاق الذي رعته أمريكا والذي جاء بالمالكي رئيسًا للحكومة وبطالباني رئيسًا للجمهورية؟ من المؤكد أن إيران كانت تطمع في تشكيل حكومة في العراق تهيمن عليها من خلال تولي رئاسة الحكومة شخصية ترضي عنها وتتحكم فيها.. ولم يكن المالكي هو أفضل اختيار لها.. لكنها وجدت فيه شخصية أفضل من علاوي صاحب الكتلة التي فازت بأكبر عدد من الأصوات، فهو لن يعاديها ولن يقاوم مصالحها في العراق، فضلا عن أنه لن تعارضه أو ترفضه واشنطن مثل شخصيات شيعية أخري. ومن المؤكد أيضًا أن إيران بذلت جهدًا كبيرًا في منع علاوي المتحالف مع السنة والذي يرفع شعارات التوجه العربي ولا يرحب كثيرا بنفوذ إيران في العراق، من الوصول إلي مقعد رئاسة الحكومة.. وكانت إيران تتمني أن يظل علاوي قابعًا في مقعد المعارضة ولا يشارك في العملية السياسية القائمة في العراق، لاستبعاد أي تأثير له هو وكتلته «العراقية» علي مسار ومجريات الحكم العراقي، والتوجهات السياسية التي سوف تتبناها العراق. ولذلك يمكننا القول بأن إيران لم تكسب كل ما كانت تطمح فيه بالعراق.. فهي وإن كانت رضيت بالمالكي مثلما رضيت به أمريكا أيضًا، فهي وجدت أحد خصومها يشارك في العملية السياسية ويمنح رئاسة مجلس للسياسات تم استحداثه ليحد من صلاحيات وسلطات رئيس الحكومة أو ليشارك في مسئولية حكم العراق. أي أننا لا يمكن أن نعتبر ما حدث هزيمة كاملة لإيران ولكنه مكسب غير كامل لها.. مكسب يحد منه ويقلله وجود علاوي مشاركًا في الحكم العراقي بدرحة أو بأخري. وعلي الجانب الآخر لا يمكن اعتبار ما حدث أيضًا مكسباً كاملاً لأمريكا في العراق في مرحلة ترتيب أوضاعه من أجل تسهيل عملية انسحابها منه.. فهناك مشاركون في حكم العراق تربطهم صلات وثيقة بإيران. وهذا معناه أن النفوذ الإيراني في العراق لم يتقلص أو ينقشع بعد.. بل إنه مازال مستمرًا.. فضلا عن أن باقي بنود الاتفاق بين الكتل السياسية العراقية لم تنفذ بعد.. وتنفيذها سوف يخضع لمساومات كبيرة وواسعة، حتي إن كان البرلمان العراقي قد أقر تقاسم السلطة، أو صدق علي اتفاق قادة الكتل السياسية المختلفة. باختصار.. ما حدث في العراق حتي الآن لا يعد مكسبًا مطلقا للولايات المتحدة، أو خسارة مطلقة لإيران.. إنما هو تعبير عن توازن نفوذ كل منهما في العراق.. الولاياتالمتحدة بقواتها التي مازالت تحتل أراضي العراق وتربطها علاقات وثيقة بالكتلة الكردية.. وإيران التي تدعم وترعي القوي الشيعية ومن خلال ذلك تملك أن تفرض عليها ما تبغي من ضغوط. أما العرب فهم لم يكسبوا أو يخسروا شيئًا.. فهم خارج الصورة منذ وقت.. وغير موجودين في الملعب العراقي.. أنهم خسروا العراق منذ سنوات.. ودورهم لم يعد مؤثرا في العراق.