ربما للمرة الاولي في تاريخ الكثلكة يعقد سنودس للشرق الاوسط لبحث أحوال المسيحيين بالمنطقة، ولست أدري هل من سوء أو حسن الطالع أن يعقب هذا السنودس الهجوم الدموي علي كنيسة سيدة النجاة بالعراق، والضغوط الصهيونية علي الفلسطينيين المقدسيين. وفي هذا المقال سوف أتوقف أمام الكلمة الدقيقة الموضوعية والمفعمة بالروحانية والعقلانية لغبطة البطريرك الكاردينال أنطونيوس نجيب، بطريرك الاقباط الكاثوليك في مصر ونقتطتف منها : 1 الحرية الدينية ليست مشكلة في البلدان العربية، المشكلة هي حرية اختيار الدين. 2 لايمكننا الحديث عن وجود اضطهاد بكل ما في الكلمة من معني فالاضطهاد يتضمن عملا سياسياً منظما بحق الاقليات وهذا الامر غير موجود في البلاد العربية. ولكن عدم وجود الاضطهاد لاينفي وجود المصاعب. 3 وترجع هذه الصعوبات إلي واقع عدد المسيحيين والكاثوليك منهم بشكل خاص.. فنحن في مصر مثلا 250 الفا من أصل عشرة ملايين مسيحي تقريبا أكثرهم من الاقباط الارثوذكس، وذلك من أصل 82 مليون مواطن مصري، فالمسيحيون رغم حالات التهميش والصعوبات ليسوا في حالة اضطهاد حقيقي بل في حالة أقلية تفرض عليهم صعوبة في التعبير عن وجودهم وصعوبة في الحصول علي تمثيل سياسي ومدني فعال، فضلاً عن المشاكل التي يعاني منها كل المصريين.. بشكل عام...). إننا أمام بطريرك عالم يليق بكرسي ماري مرقص، الكرسي السكندري العتيد، تتنسم من حديثه عبق عطر علماء مكتبة الاسكندرية القديمة، حينما كان الاقدس هو الاعلم، فالرجل يتحدث بموضوعية عقلانية يندر أن يتحلي سوي العلماء القديسيين. رغم كل الضجيج من المهجريين المسيحيين.. وغابة العنف الفكري من السلفيين المتأسلمين، والتمييز المعلن من المذاهب المسيحية بعضها البعض، وتورط الاسقف بيشوي والفقيه العوا في الخروج عن النص الوطني، وإصدار المستشار الفقيه البشري للأحكام المطلقة علي غرار ملالي إيران، (ومع كامل احترامي للجميع)، في خضم هذا الانفلات العظيم، وقسوة هجمات فيروس التفكك علي الجسد المصري.. إلا أن غبطة البطريرك في هذا المناخ المتردي لسانة كان يتفوه بالحكمة.. في خطاب علمي، يتمتع فيه بعقل يفيض بالروحانية، وقلب يملؤه الحب. إلا أن هذا الخطاب الوطني العلمي.. غير الديني ولا الطائفي يحتاج إلي تفعيله في الواقع، ذلك الامر يرقي إلي أن يكون مهمة وطنية وليست دينية .. ولا طائفية، بمعني أن اللجنة التي ستشكل لتجسيد رسالة غبطة البطريرك في الواقع المصري، لابد أن تكون وطنية بالاساس، يرأسها شخصية مرموقة مثل الدكتور مصطفي الفقي، وتضم في عضويتها عقلاء الامة دون تمييز في الدين أو المعتقد أو الاتجاه السياسي.. لأن رسالة أنطونيوس نجيب إلي أهل مصر.. والتي نطق بها لسانه في السنودس، لا يصلح لتجسيدها أو تفعليها بدون دواعي الحرج نخبة من "الفاشلين أو المتورطين" في الطائفية أو المتعصبين المذهبيين، أيا كان مذهبهم، لأنهم سوف يلتفون علي هذه الرسالة ويفرغونها من مضمونها (راجع مواقف الطوائف المسيحية المختلفة وفشلها حتي في الصلاة المشتركة، أو القدرة علي التعاون بالحد الادني، داخل مجلس كنائس الشرق الاوسط). وبعيداً عن التوصيات الروحية والدينية للسنودس، التي يجب أن يتفرغ لها الاكليروس وبعض المدنيين الكنسيين، فإن الرسالة المهمة لأنطونيوس نجيب، تحتاج لأن تكون برنامج عمل وطنيا، وتقدم بطريقة، غير دينية ولا طائفية، علي سبيل المثال لا الحصر تقدم للصحفيين في لقاء بين البطريرك وبين نقيب الصحفيين وشيخهم مكرم محمد أحمد.. ولقاءات أخري مماثلة تضم البطريرك وممثلي الاحزاب، ممثلي النقابات المهنية والعمالية، الأمين العام للجامعة العربية د. عمر موسي والمندوبين الدائمين. ويمكن تفعيل تلك المقترحات وغيرها من خلال مؤسسات المجتمع المدني الثقافية التي تهتم بشئون المواطنة مثل: ملتقي حوار الحضارات بالهيئة القبطية الانجيلية، جمعيات ومراكز الجزويت الثقافية، منتديات الاخوة الفرنسيسكان، علي غرار المركز الثقافي الكاثوليكي للسينما.. حصص الحياة في المدارس الكاثوليكية، وصولاً إلي أن يدار حولها حوار وطني حقيقي في المجتمع. بدون ذلك سوف يلتف حول تلك التوصيات وذلك الخطاب محترفو الشهرة، وأصحاب العقليات البيروقراطية والمذهبية، الذين يسعون للمناصب، أو بعض محترفي مهنة الوحدة الوطنية، وينتهي الامر إلي الاسوأ وكأننا يا غبطة البطريرك (لارحنا ولاجينا) حمي الله البطريرك من هؤلاء، وحمي الوطن من المتربصين به داخليا، وخارجيا.