حتي الآن تتكرر الأحداث المؤسفة والمحزنة بحرم الجامعات - وقد حظيت جامعة عين شمس بنصيب وافر منها - من العروض العسكرية للطلبة المنتمين لجماعة الإخوان إلي تنفيذ حكم الإدارية العليا بإلغاء الحرس الجامعي. حتي الدكتور عبد الجليل مصطفي، الأستاذ بجامعة القاهرة، أثيرت حوله الأحداث والأقاويل وهو يوزيع حكم المحكمة علي طلبة عين شمس! ليتسع أكثر، بحر الرمال الناعمة للتفاصيل التي ننزلق إليها بفضل تقارير مني الشاذلي المتحمسة أبدا حول كل ما هو ساخن. تختزل الأحداث في كل مرة إلي بيانات وصور ومناقشات ومداخلات يختلط فيها الحياد بالتواطؤ. يؤسفني أن أقول أن المعالجة الصحفية والإعلامية التي تصر علي إبهارنا تزيد الأمر غموضا! وعلي المهتمين برسالة الجامعة، المتباكين علي مهمتها في البحث العلمي ومستقبل الطلبة وتعليمهم، ألا يشغلهم الاستنتاج الذي تبقي من القرن العشرين حول دور الجامعة والحرية الأكاديمية ودور الطلبة في السياسة،بحيث تتحول الكلمات التي يجب أن يكون لها مغزي، إلي طنين مزعج. أزمة الحكم القضائي بإلغاء الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية، تفتح ملفا صعبا وشائكا يحتاج إلي التعامل الهادئ لا المصادمات. وفي رأيي أن الذين ينادون بحرية الجامعة، المحتجين بوجود استبداد وقيود، كان عليهم أن يكونوا أكثر الناس مسئولية عن توفير البيئة المناسبة والأكثر تعددية بالضرورة لمناقشة: من يحرس الجامعة؟ من يوفر الأمن والحماية للأساتذة والطلاب والباحثين؟ ومن هنا كانت مهمة الدكتور عبد الجليل مصطفي وزملائه من أساتذة جامعة القاهرة وحركة 9 مارس، يشوبها الغموض والتهليل للحكم وسط جموع طلبة عين شمس وهم لن يكونوا أبدا المعنيين بتنفيذه. تقع الجامعة أكثر وبأيدينا تحت أقدام الصراع! تطأ البيئة السياسية القمعية والتي عانتها لسنين طويلة تحت أقدامها، الرسالة الجامعية وقيمها في التعليم والبحث العلمي والتربية وعلاقة الطلبة بأساتذتهم.. ما هذا الذي يظهر في شرائط الفيديو التي سجلها كل طرف ليدين الطرف الآخر؟ في الحقيقة لا يبدو أي محتوي لمطلب الحرية وسط التهليل والتصفيق، والصياح ورفع الأحزمة والجنازير ونصل مطواة مشرع يخفيه طالب وراء ظهره! وليس هذا في أي مقرر للقانون أو الطب أو الهندسة أو الفلسفة أو الآداب..إنما نشأ كل ذلك في بيئة عدائية مبرمجة. والذي حدث أن الجامعات منذ سبعينيات القرن العشرين كما النقابات المهنية، أصبحت هدفا استراتيجيا مرموقا لجماعات التطرف وظهرت طوابير الميليشيات ومحاولات إخضاع النشاط الطلابي لشعارات الجماعات، وفرض الحجاب ومحاولات الفصل بين الجنسين في المدرجات، وإخضاع النشاط الموسيقي والغنائي والرسم وعموما فرض أجواء من الرهبة والخوف علي المخالفين. وظهرت وشاهدت العيون السلاسل والجنازير والمطاوي داخل حرم الجامعة، كما اشتهرنا في مصر بانتشار مصفحات قوي الأمن بالقرب من أبواب الجامعات والشوارع المؤدية إليها! في ذلك الوقت أيضا امتدت عدوي الانقسام الطائفي إلي السادة الأساتذة والدكاترة، وما أزمات انتخابات هيئات نوادي أعضاء هيئات التدريس ببعيد، وليس إبطال اختيار عمداء ووكلاء الكليات بالانتخاب، بمنأي عن هذا الجو. تساعدنا البيئة السياسية المشخصة بوضوح، علي تشكيل رؤية، محتوي المطالب هو في الجامعة كما في المجتمع ينطلق عن الحرية السياسية. وفي بيئة أضحت أكثر تعددية، تنوعت المطالب واتسعت، إما علي شئون جامعية مباشرة كحالة التعليم الجامعي وظروف هيئة التدريس، وأحوال البحث العلمي، أو المشاركة في النقد الاجتماعي السياسي القائم علي قدم وساق في المجتمع المصري. تبدو مشكلة تنفيذ حكم قضائي يتصل بحراسة الجامعة مقحمة كنوع من البروباجندا لبعض الناشطين. وإذا كان هذا الادعاء صحيحا، فلنتق الله في جموع الطلبة الذين لم تكن أغلبيتهم تسمع عن الحرس الجامعي حتي ولوج أبواب الجامعة! أجيالنا من الطلاب الذين يزدادون عددا هم أكثر الأجيال تأثرا، وقلقا بالنسبة لأغراضهم في الحياة، لنساعدهم علي تلقي العلم الذي نخلق المشاكل أمام توفيره لهم، ولانتخذهم مطايا لتحقيق جماهيرية أي فرد أو حركة أو دعوة وحزب. تغيرت وجهة نظر العالم ومستمرة في التغيير منذ ثورة الطلبة في عام 1968، ولم تكن هناك أي مشكلة لو قام الدكتور عبد الجليل مصطفي ورفاقه بتوزيع الحكم القضائي علي زملائهم من أعضاء هيئة تدريس عين شمس!