سلاح حزب الله. هذا هو عنوان الأزمة الحالية، والأزمات السابقة في لبنان. وخلف هذا العنوان يطرح الدور الإيراني، الذي أوضحته زيارته الرئيس أحمدي نجاد، التي اكتست خلالها لبنان باللون الشيعي. سلاح حزب الله يوصف بأنه سلاح المقاومة، باعتبار أن الحزب نشأ مقاوما في الجنوب، وأسفرت مقاومته عن خروج القوات الإسرائيلية في صيف عام 2000 من الجنوب المحتل، تركته لحزب الله، دون ترتيبات مع الدولة اللبنانية، التي لم يكن ممكنا أن تكون طرفا في اتفاق مع إسرائيل، بينما كانت الهيمنة السورية واضحة فيها. خرجت القوات الإسرائيلية ولم يترك حزب الله سلاحه، مثلما كان يعد. احتفظ بسلاحه، وبدلا من أن تكون معركته ضد إسرائيل لبنانية، تحولت إلي معركة إقليمية، عبرت عن نفسها في حرب إسرائيل علي لبنان في صيف عام 2006م، والتي أدت إلي الإضرار بالبنية الأساسية، فضلا عن وضع قوات دولية في الجنوب شكلت حماية لإسرائيل، وقوضت من قدرة حزب الله علي المقاومة. ما الذي يريده حزب الله من وراء الاحتفاظ بسلاحه؟ وبعد أن كان يطلق علي سلاحه صفة المقاومة، استخدم السلاح في لحظة الأزمة في مواجهة التحالف الذي يعارضه في قلب بيروت. اليوم، هناك من يقول "لا لازدواجية السلاح" في قلب لبنان، ومن حقهم طرح ذلك لأنه لا توجد دولة تقبل بتعدد السلاح، ولاسيما أن مسألة سلاح حزب الله تحولت إلي قضية غير قابلة للنقاش، أو خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه. المسألة معقدة، وهناك مخاوف من أن تجر لبنان إلي حرب أهلية، ولعل الظروف مهيأة ذلك. هناك توقع بصدور قرار اتهام وشيك بشأن عناصر في حزب الله يعتقد أنها شاركت في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وهناك اعتقاد ضمني لدي قطاعات من الشارع العربي، رغم عدم صحته بأن حزب الله مع خيار المقاومة، وتيار 14 آذار «مارس» مع خيار المهادنة، وبالتالي فإن هوية الدولة اللبنانية، وسيادتها محض شد وجذب بين التيارين. وفي لحظات المواجهة في الفترة الماضية ظهرت تحليلات تنفي عن لبنان صفة الدولة، وتجعل من خيار المقاومة المنفرد من جانب حزب الله عنوانا لسيادة لبنان، وليست وجود حكومة تتمتع بالاختيار الشعبي. من حق الشعب اللبناني أن تكون له دولة موحدة ذات سيادة، نموذج في التنوع في منطقة مليئة بعوامل الكراهية، والتفكيك، ومقدمة علي تحديات كثيرة. ويقتضي هذا أن تكون الأطراف اللبنانية جميعا قادرة علي الحوار، والتواصل، والوصول إلي صيغ للتفاهم. كفي اللبنانيين سنوات تحولت بلدهم فيها إلي ساحة لحرب الآخرين، بينما هم أنفسهم الضحية، وتخسر المنطقة شيئا فشيئا صيغة التعايش بين الطوائف والأديان والمذاهب المتنوعة في الحالة اللبنانية. لو عادت الحرب الأهلية إلي لبنان ستكون أشد ضراوة مما سبقتها منذ نحو ثلاثين سنة، والسبب أن المعطيات الإقليمية تغيرت. العراق يتفكك، وعلي شفا حرب أهلية. والسودان يواجه المصير نفسه تقريبا، والفلسطينيون في حالة انقسام لحين إشعار آخر، وإيران تريد أن تظل لبنان "ورقة" في يديها تستخدمها في علاقات الشد والجذب مع الولاياتالمتحدة وحلفائها. من هنا، فإن نشوب حرب في لبنان سوف تكون إقليمية وليست محلية، ولا يعرف علي وجه التحديد مداها في منطقة مفعمة بعوامل التوتر. وهكذا يتجسد سيناريو الفوضي الخلاقة، الذي طرح منذ سنوات، ويجد طريقه للتنفيذ علي أرض الواقع.. ولكن لن تكون فوضي خلاقة بل قد ينتج عنها حالة من الانقسام في المنطقة العربية يصعب إعادة التئامها.