كان صعود جون كيندي إلي مقعد الرئاسة الأمريكي، في الثامن من نوفمبر سنة 1960، تجسيدًا عمليا لفكرة انتصار الشباب، وتقدم الحيوية لإزاحة التقليدي الراكد، فالرئيس الجديد بشوش أنيق وسيم، لا علاقة له بالصورة النمطية السائدة عن السياسيين المحنكين الذين يتسمون بالشيخوخة ويتسلحون بالتجهم، وينعكس إحساسهم بالمسئولية الثقيلة علي ملامحهم وملابسهم وزوجاتهم أيضًا! ينتقل الحلم الأمريكي مع جون كيندي وزوجته جاكلين، الشابة الجميلة، من مرحلة «الأبيض والأسود» إلي عصر ملون جذاب، ولم يكن مستغربًا أن يرحب العالم بالعهد الجديد، فحتي الذين يناصبون أمريكا العداء، ويتخذون في سياستها موقفا سلبيًا حادًا، تفاءلوا بالتعامل مع مفردة جديدة غير مسبوقة، لا يعني هذا أن السياسة الأمريكية رهينة بالأفراد، فهي تخضع لنظام مؤسسي بالغ الصرامة، لكن الدور الفردي لا يمكن إهماله أو إنكاره، وهو ما يتضح بجلاء عند النظر إلي الفارق بين بوش وأوباما، فالسياسة لم تتغير بشكل ملموس، لكن الانطباع عنها والتفاعل معها يبدو مختلفا. لم يُقدر لجون كيندي أن يحتفظ بمقعد الرئاسة طويلا، فقد تم اغتياله في ظروف غامضة محاطة بالشبهات، ومازال صندوق الأسرار مغلقا ولا يقين في حقيقة ما فيه، وأغلب الظن أنه سيبقي إلي الأبد.. أما عن مصير الأسرة بعد رحيل جون، فقد كان أقرب إلي الأفلام ذات التحولات الغرائبية المثيرة، فتزوجت أرملته جاكلين من الملياردير اليوناني أوناسيس، وتوالت النكبات علي آل كيندي، فكأنهم من المنذورين للتعاسة. نصف قرن بعد صعود جون كيندي إلي رئاسة الدولة الأقوي والأعظم في العالم، وهاهو التاريخ يوشك أن يعيد نفسه، فمن كان يتصور عند انتخاب كيندي أن يوما سيأتي فيتولي الرئاسة زنجي ممن كان يُحظر دخولهم إلي كثير من الأندية والمطاعم ودور السينما.