مقارنة بالندوات السابقة التي انعقدت فيها منذ مطلع العقد الحالي علي الضفة الأردنية من البحرالميت أو في شرم الشيخ، فإن الندوة الأخيرة ل"المنتدي الاقتصادي العالمي" التي استضافتها قبل أيام مدينة مراكش المغربية كانت مختلفة إلي حد كبير. ما جعل الندوة مختلفة كونها بدت باهتة إلي حد ما. لم تعقد حتي جلسة ختامية للندوة بعدما غادر عدد لا بأس به من المشاركين مراكش قبل موعد الجلسة مطلع بعد ظهر يوم الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي. استعيض عن الكلمات التي كانت ستلخص ما تحقق في الندوة بعازف بيانو أدي قطعتين كلاسيكيتين أعلنتا ختام الندوة من دون تحديد موعد لندوة السنة المقبلة أو المكان الذي ستعقد فيه. هل باتت الحماسة لمثل هذا النوع من الندوات مفقودة ؟ أم أننا نكتشف انطلاقا من مراكش كم تغير الشرق الأوسط؟ الجواب بكل بساطة أن المنطقة تغيرت إلي حد كبير، نظرا إلي غياب الأسباب التي تدعو إلي الأخذ والرد بين العرب أنفسهم أو بين خبراء ومسئولين أمريكيين وأوروبيين وروس مهتمين بالشرق الأوسط عموما وبتحقيق تقدم علي المسار الفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص. الأهمّ من ذلك أنه لم يحضر إلي مراكش أي مسئول إسرائيلي كبير كما العادة في شرم الشيخ أو البحر الميت. تذرع الإسرائيليون بأن الملك محمد السادس لم يحدد موعدا لاستقبال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس. لماذا كان علي العاهل المغربي تحديد موعد لاستقبال بيريس؟ هل كان الرئيس الإسرائيلي في زيارة رسمية للمغرب بدعوة من الملك أم أنه كان آتيا إلي مدينة مغربية معروفة للمشاركة في ندوة معينة ينظمها "المنتدي الاقتصادي العالمي" الذي مركزه الرئيسي في جنيف؟ في كل الأحوال، لم يفتقد أي عربي الوجود الإسرائيلي في مراكش نظرا إلي أن أي حوار بين الجانبين كان سيتحول إلي حوار طرشان في غياب أي رغبة لدي حكومة بنيامين نتانياهو في التوصل إلي تسوية معقولة ومقبولة تؤدي إلي قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" عاصمتها القدسالشرقية. هل يجب الاحتفال بالإسرائيليين لمجرد أنهم وطأوا أرضا عربية... أم أن الموضوع مرتبط أساسا بحوار يمكن أن يؤدي إلي نتائج ملموسة تساعد في تقدم عملية السلام التي تخدم الاستقرار في المنطقة وتصب في مصلحة كل شعوبها؟ تبين من خلال النقاشات التي شهدتها ندوة مراكش أنه كان من الأفضل أن لا يأتي الإسرائيليون إلي مراكش، خصوصا إذا كان شخص مثل شمعون بيريس سيتحدث مرة أخري عن أهمية السلام وعن مشاريعه الكبيرة في المنطقة، في حين أن كل هدفه يتمثل في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية. ما لم يقله بيريس، قاله دوري غولد السفير الإسرائيلي السابق لدي الأممالمتحدة الذي ينطق عمليا باسم نتانياهو. قال غولد صراحة في ندوة شارك فيها من القدس عبر الأقمار الاصطناعية إن الضفة الغربية "أرض متنازع عليها". اختصر عمليا طبيعة النزاع القائم من زاوية رفض إسرائيل أي انسحاب إلي حدود العام 1967 مع بعض التعديلات التي لابدّ منها في إطار تبادل للأراضي بين الجانبين. ما يفرض هذا التبادل غياب الرابط بين الضفة الغربية وقطاع غزة قبل حرب 1967 وضرورة ايجاد مثل هذا الرابط في حال كان مطلوبا أن تضم الدولة الفلسطينية الضفة والقطاع بدل ان يستمر الفصل بينهما. مثل هذا الموقف الإسرائيلي لا يصلح نقطة انطلاق لأي حوار بين الجانبين ما دام مطلوبا قبول الفلسطينيين بالاحتلال وبأن تقرر إسرائيل كم تريد أن تقتطع لنفسها من أراضي الضفة الغربية. بدت مشاكل الشرق الأوسط معقدة إلي درجة بات فيها الكلام عن أي نوع من الحلول في غير محله. أكثر من ذلك بدت الحاجة ملحة إلي ندوة خاصة للبحث في كيفية الخروج من الوضع العراقي الراهن الذي ستكون له انعكاساته علي الشرق الأوسط كله خصوصا منطقة الخليج. وربما كانت هناك حاجة أيضا لندوة خاصة بالسودان والنتائج التي ستترتب علي تقسيمه... وأخري عن مستقبل لبنان المهدد من أكثر من جهة. في مراكش، تبين أن كل مشاكل المنطقة تبدو معلقة لأسباب سياسية أولاً وأن لا مكان للبحث في العمق بأي تعاون علي الصعيد الاقتصادي أو التكنولوجي، اقله في المدي المنظور. لا يمكن بالطبع توجيه أي لوم إلي "المنتدي الاقتصادي العالمي" الذي بذل اعضاؤه جهودا كبيرة لإنجاح ندوة مراكش. كل ما يمكن قوله إن ظروف المنطقة والعالم تغيرت جذريا وأن الشرق الأوسط الذي نعرفه الآن يبدو مختلفا تماما عن الشرق الأوسط قبل عام ونصف العام... في انتظار ما ستكون عليه أحوال الشرق الأوسط في غضون سنة أو سنتين أو أكثر، لا شيء يمنع من الاستفادة من بعض الدروس المستقاة من النقاشات التي شهدتها مراكش. كان هناك علي سبيل المثال بحث في مشكلة المياه التي يعاني منها الشرق الأوسط، وهي مشكلة قد تتسبب بحروب ونزاعات في مرحلة ما. كذلك، كان هناك تحديد صدر عن معظم المشاركين للعوامل التي ستساعد في تطوّر دول معينة في الشرق الأوسط. أهم هذه العوامل التي ستمكن بعض دول المنطقة من تحقيق خطوات إلي الأمام في القرن الواحد والعشرين هي الآتية: الاستثمار في الطاقة البديلة والبني التحتية والتكنولوجيا المتقدمة والتعليم ومصادر المياه. من يدرك ان هناك في الشرق الأوسط من يستثمر في هذه المجالات يكتشف أن الأمل ليس مفقودا تماما بمستقبل المنطقة، أقلّه ببعض دولها... كاتب لبناني