قبل أيام جاءتني دعوة لزيارة تشاد، حاول كثيرون إثنائي عن السفر لأنها دولة فقيرة، ولا يعتقدون أني سأجد ما يفيدني حياتيا أو عمليا.. ومع ذلك قررت الذهاب لحضور مؤتمر التنمية هناك الأسبوع الماضي، وفي أول يوم لم يكن أمامي شيء يمكن انجازه، وبالفعل وجدت البلد فقيرا، وأهله يعيشون ظروفا صعبة، ولكن عندما قررت التجول داخل العاصمة «أنجمينا» رأيت داخل هذا البلد الفقير روح مصر القديمة في الثلاثينيات والأربعينيات، حيث الاهتمام بالقرآن وانتشار الكتاتيب القديمة التي يتعلم الطلاب فيها علي ألواح من الخشب يحفظون من خلال الكتابة عليها ثم يقومون بتنظيفها بالماء ليعيدوا الحفظ عليها من جديد. الأمر العجيب أن أهالي الأطفال من حبهم للقرآن، ورغم ظروفهم المادية يرسلون أبناءهم للشيخ المحفظ ليمكثوا عنده فترة التحفيظ من دون أن يكون معهم أموال، ويقوم الشيخ بجمع هؤلاء الأطفال ليحفظهم بالمجان، ويوفر لهم عملا في زراعة أو غيرها، ويحصل هو جزءا من زكاة المال التي يدفعها المقتدرون من أهل البلد، أو مقدارا من محاصيل بعينها يعيش عليها. ولم تمنع الظروف المادية البسيطة التي تتسم بها تشاد من رؤية كرم المصريين علي يد تشاديين، وعندما سألناهم عن ذلك قالوا: هذا هو الكرم العربي، ونحن تعلمنا من مصر الكثير، وهي في قلوبنا، واستمعت إلي اهتمام التشاديين بالتعلم من مصر بلد الأزهر، وافتخرت كثيرا بأن مصر لها دور في هذا البلد الفقير، الذي لم يمنعه فقره من السير نحو البحث عن التقدم والتنمية، ونشر الدين الصحيح، وأخذ العلم من منابعه الصحيحة، حيث توجد أكبر بعثة أزهرية لأفريقيا في تشاد. الأمر عندي لم ينته فقط عند رؤية حب التشاديين للقرآن، ولكني شاهدت كيف أن كل من يعمل بالدعوة يعملون بالمجان؟!، حتي مفتي الدولة ليس له أي راتب منها فهو يعمل بالتجارة ليعيش منها ولكنه أيضا يهب نفسه للعلم والدعوة والفتوي، فالدولة دستورها علماني لا يخصص أموالا للدعاة أو لأي منصب ديني. وزاد اعجابي عندما سألت عن وجود أي خلافات أو تضارب في الفتاوي فكانت الإجابة: أنه لا وجود لمثل تلك الأمور فجميع الشعب متصوف وعلي المذهب المالكي، كما وجدت أن مساجد العاصمة وحدها زادت من أربعة مساجد في فترة الثمينيات لتصبح 460 مسجدا، وكم أحسست أن الإسلام في تشاد مازال بكرا، وأن التشاديين لديهم فطرة نقية باستطاعتهم أن يعرفوا من أين يتلقون علمهم الصحيح؟... حيث يتوجهون إلي مصر بلد الأزهر لتكون هي قبلة العلم لهم، يأخذون من مناهجها ويتعلمون في أزهرها.