ما معني قول الرئيس مبارك: أن المساس بالوحدة الوطنية "خط شائك"؟.. وما مغزي بيان شيخ الأزهر والبابا شنودة : بأن الكلام في الأديان "خط أحمر"؟، هل تجاوزنا حدود (الوطن) وتخطينا الإطار الجامع للمواطنة؟، هل تنكبنا عن الهوية المشتركة والشعار الأثيري: (الدين لله والوطن للجميع)؟، هل بلغ التعصب بنا أن نعلن جهارا: ديني هو الحق المطلق، ودين غيري هو الباطل المطلق؟ قديما قال الشاعر: فإن النار بالعودين تذكي وإن الحرب مبدؤها كلام إن تصاعد وتيرة الفتن الطائفية المتكررة منذ العام 1972، وتصدر ملفات ساخنة المشهد كله، أبرزها ملف "الأسلمة" و"التنصير"، والتنابذ بالألقاب وتعمد إهانة (الآخر) من خلال حروب الفضائيات الدينية، وغرف البالتوك، ومجموعات التواصل الاجتماعي (الفيس بوك وتويتر وفليكر)، كشفت عن أنه في غضون سنوات معدودة تم "تديين" كل شيء في المجتمع المصري، عن طريق تحويل "أنصاف الاعتقادات" عند الناس إلي "اعتقادات تامة"، حتي انعدم التمييز بين التقوي الحقيقية والمظاهر الدينية التزيدية، وبين الأشياء الروحية والأشياء الزمنية، وهو ما جعل من الصحوة الدينية (الزائفة)، غفوة وطنية (مدمرة). وأدي إلي انتعاش "الانتماءات ما قبل الوطنية" التي تتجاوز حدود الوطن، وتمددها يأتي غالبا علي حساب المواطنة، وهي انتماءات تسعي جاهدة إلي فرض علاقتها بالدولة، ففي ظل الغياب شبه الكامل للمجتمع المدني وتساهل مؤسسات الدولة المعنية، أصبح هناك حضور كثيف للمؤسسة الدينية (الإسلامية والمسيحية)، وأصبحت هاتان المؤسستان تلعبان أدواراً مركبة ومتعددة في الحياة العامة، وتتدخل بدرجات متفاوتة في العمل السياسي العام عبر الفتاوي والعظات العامة في أمور مدنية بحتة، ناهيك عن الشحن الطائفي وخطاب الفتنة، وهو ما يهدد ما بقي من كيان الدولة الوطنية. إن المواطنة التي تقوم علي العقد الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز، هي الأساس الذي يبني عليه الوطن، وليس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو التوجه الإيديولوجي، وهي العروة الوثقي الحديثة والمتجددة بين الحاكم والمحكوم، وبين مختلف طبقات الشعب وشرائحه وفئاته، ومن ثم فإن السؤال الذي يجب أن نبحث عن إجابة له، هو: كيف نجعل من المواطنة أساس العلاقة الأفقية والرأسية في المجتمع، أي بين الأفراد المختلفين في المجتمع، ثم بينهم وبين الدولة؟ إننا نعيش جغرافيا في منطقة (فتن) تموج بالفوضي من طنجة إلي جاكرتا، ومن الكويت إلي البحرين، ومن السعودية إلي اليمن، ومن لبنان وفلسطين والعراق إلي إيران، ومن اليمن إلي السودان، حيث تتوزع كل أنواع الفتن التاريخية أيضا: الدينية والطائفية والعرقية والإيديولوجية والحروب بالوكالة، وهي حالة (شديدة العدوي)، تحاصرنا علي الأرض، ومن الفضاء، ناهيك عن أنها منطقة صراع تتنازع فيها قوي إقليمية ودولية لا تريد الخير لمصر وأهلها. ومع دخولنا الألفية الثالثة وتسارع وتيرة العولمة، أصبح الفرد يتجه نحو العالمية، في نفس اللحظة التي يميل فيها للتشبث بأصوله وهويته، بطريقة مفتعلة ومتطرفة، وهو ما يعرف اليوم بظاهرة «تنامي الأصوليات» وانتعاش الطائفية والنزعات القبلية والعنصرية، وهو ما يزيد الأمر تعقيدا. لقد جاء حديث الرئيس مبارك، في الذكري 37 لنصر أكتوبر، وتأكيده الحاسم علي " الدولة المدنية " وتعبيره الدقيق: "جناحي الأمة" في وقته تماما، ليبدد مخاوف عديدة ويعيد الطمأنينة إلي نفوس المصريين، ويفوت الفرصة علي المتربصين بهذا الوطن، كما أن تأكيد الرئيس مبارك علي احترام "الحرية الدينية" لكل العقائد وعدم المساس بها باعتبارها "خطًا شائكًا"، أثبت للجميع أنها محور الحريات الأخري، وهي الأساس في (التعددية) داخل المجتمع المصري، وجوهر الديمقراطية الحقيقية.