لا أحب اللف والدوران والمراوغة، وعلي بلاطة ومن أول السطر أشيد وأرحب بما صدر عن «مجلس القضاء الأعلي» من قرارات تنظيمية جاءت في وقتها تماما بشأن تناول وسائل الإعلام إذاعة ونشر القضايا المنظورة أمام المحاكم وجهات التحقيق والتعليق علي الأحكام الصادرة منها. نعم كل التحية والتقدير لما جاء في بيان مجلس القضاء الأعلي فقد أكد علي عدم السماح بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أية وسيلة من وسائل الإعلام أو قيامها بتصوير هذه الوقائع أو هيئات المحاكم، أو الدفاع أو الشهود أو المتهمين أثناء إجراءات تلك المحاكمات، وتجنب التناول الإعلامي بأي طريق من طرق العلانية للدعاوي في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، علي نحو يتضمن الاخلال بهيئة أو مقام أي من القضاة أو رجال النيابة العامة وابداء ما من شأنه التأثير فيهم أو التأثير في الشهود أو الرأي العام لمصلحة طرف في المحاكمة أو التحقيق أو ضده وعدم الخوض في الدعاوي أو التعليق علي مجرياتها أو الأحكام غير الباتة الصادرة فيها، وذلك من جانب الكافة بمن فيهم القضاة والمحامون وسائر السلطات والجهات وذلك كله اتقاء لاحداث البلبلة وزعزعة ثقة الرأي العام في عدالة القضاء إذا انتهي الفصل في الدعوي علي خلاف العقيدة التي تكونت لدي الرأي العام بتأثير التناول الإعلامي. كما ناشد مجلس القضاء الأعلي جميع السلطات والجهات ذات الصلة الالتزام بهذه القرارات امتثالا لمقتضيات الشرعية الدستورية والقانونية ولتقاليد دولية موروثة رسخت واستقرت في تاريخ القضاء المصري الشامخ علي مر العصور، ويحرص مجلس القضاء الأعلي علي حمايتها ويسهر علي مراعاتها. وأكد البيان أيضا أن هذه القرارات جاءت وفقا لمقتضيات أصل البراءة في الإنسان، لاسيما حين يكون في موقف الاتهام وتطبيقا للمفهوم الصحيح لمبدأ العلانية في المحاكمات وما يعنيه من اتاحة حضور جلساتها للجميع في حدود مقتضيات الحفاظ علي النظام العام والآداب العامة والنظام في قاعات الجلسات وتدعيما لاستقلال القضاء، وكفالة مقومات موضوعيته وحيدته، وصونا لثقة الرأي العام في القضاء والقضاة وكفالة للسير الطبيعي للمحاكمات وعدم التأثير في مجرياتها بأية صورة والتزاما بما نهت عنه وعاقبت علي مخالفته المادتان 186 و187 من قانون العقوبات من أفعال الاخلال بإحدي طرق العلانية بمقام قاض أو هيبته أو سلطته في صدد دعوي أو نشر أمور بإحدي هذه الطرق من شأنها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوي مطروحة أمام أي جهة من جهات القضاء، أو في رجال القضاء أو النيابة العامة المكلفين بالتحقيق أو التأثير في الشهود، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوي أو التحقيق أو ضده. هذا كلام جميل وعظيم ومحترم له منا كل الاحترام والتقدير، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وأصبح كل من هب ودب يظهر علي شاشات الفضائيات ويفتي ويحلل ويناقش بل ويشكك في مجريات وقائع قضايا لاتزال منظورة أمام المحاكم. عشنا وشفنا العجب عندما يأتي المساء وتبدأ البرامج في بث وإذاعة محاكمات موازية لمحاكمات الصباح، في هذه البرامج يتباري المحامون في الدفاع عن موكليهم واهالة التراب علي الخصوم، ومن فرط الأداء التمثيلي لبعض هؤلاء يثق المشاهد الغلبان ويصدق ما يقال أمامه. ومن فرط الزن علي ودان المشاهد كل مساء بهذه اللقاءات والمناقشات حول قضية منظورة أمام المحاكم وإصدار أحكام براءة أو إدانة، فإنه ليس مستعدا لسماع ما يخالف ما تكون لديه من رأي أو حكم! هذه المحاكم المنصوبة ليلا بالصوت والصورة عبر البرامج وما يتم بثه من لقطات مصورة من داخل المحاكم مصحوبا بصراخ ودموع الأهالي وأداء المحامين غير مقبول وغير منطقي! وعندما يشكك البعض أن هذه القرارات سوف تصبح قيدا علي الحرية وحرية التعبير فهذا كلام لا يصدر إلا عن أنصار الفوضي والتجريح والاتهام بغير دليل. كل التحية والتقدير لقضاء وقضاة مصر.