تلقي الشعب المصري البيان الصادر من الأزهر والكنيسة بالارتياح العام، حيث وضح أنه لا توجد مشكلة بين المسيحيين والمسلمين علي مستوي القمة، فلقد أدار قداسة البابا شنودة وشيخ الأزهر الأزمة بحكمة وروية.. لكن لنا علي هذا البيان عدة ملاحظات: أولاً: أن هذا البيان مهدئ وليس معالجاً للأزمة: هناك فارق بين معالجة أزمة من جذورها وبين إخراج بيان للتهدئة ومن الواضح أن هذا البيان وغيره من البيانات السابقة المشابهة له في أزمات مشابهة للأزمة الحالية لم تقدم علاجا حقيقيا، والاكتفاء بهذا البيان كما ثبت من قبل دون علاج للمرض في ذاته يجعل المريض ينتكس والنكسة دائمًا تكون أصعب وأقسي وهذا هو سر اشتداد الأزمة بعد الأخري. ثانياً: إن علاج الفتنة الطائفية ليس بيد المؤسسات الدينية: وهذا لأن المؤسستين تُحسبان أطرافا للأزمة، فالذي أثار الأزمة أعضاء بارزون في المؤسستين، وينتمون إليهما بطريقة أو أخري، وبما أن الأطراف من المستحيل أن تكون قضاة أو محكمين، لذلك فمن الصعب أن يقوموا بحل الأزمة، فالتصالح بين العائلات المتنازعة من خلال رءوسها لا يلغي بأي حال من الأحوال دور القاضي العادل أو دور النظام العام، ثم أن يقوم شيخ الأزهر وقداسة البابا بالتصدي لمثل هذه الأمور فهذا يرسخ فكرة الدولة الدينية ويصب في هذا الاتجاه الذي هو ضد الدولة الحديثة، التي تصارع الدول في تثبيتها. ثالثاً: إن الأزمة الأخيرة هي أزمة سياسية من الألف إلي الياء: ذلك لأن المؤسسات الدينية تخضع للمؤسسة السياسية في الدولة المدنية والمؤسسة السياسية أو الحزب الحاكم أو الحكومة هم المسئولون عن حل مثل هذه الأزمات وعندما تتصدي الحكومة لمثل هذه الأحداث بمؤسساتها القضائية والتنفيذية والدينية كلاً في اختصاصه نستطيع أن نحسم مثل هذا الأمور بطريقة تمنع تكرارها، فعندما تقوم الدولة بوضع خطة واستراتيجية واضحة لإدارة التنوع في داخل الوطن، ليس بين المسيحيين أو المسلمين فقط، لكن بين جميع الطوائف والمذاهب وحتي غير المتدينين أو الملحدين، فهي بذلك تحل المشاكل الوطنية، وليس الطائفية من مسيحية وشيعية وسنية وإسلامية وأرثوذكس وإنجيليين.. إلخ إنها قواعد عامة تطبق علي جميع المصريين، ويسمي هذا «دارة التنوع» ليصب هذا التنوع بإيجابية في صالح الوطن، فالحوار بين أتباع الأديان في جو من التسامح والرقي يثري المجتمع ويرفع من مستواه القيمي والاجتماعي والثقافي، فالوطنيون هم الذين يبحثون عن الحلول، إن الدولة عندما تحقق التمثيل السياسي العادل للجميع وعلي جميع المستويات وتعمم ثقافة الحوار والتسامح وتقوم بتوزيع عادل للثروة ووضع أسس عادلة للتوظيف، فهي بذلك تحل جميع المشكلات من منطلق وطني وليس دينيًا، إن ما نحتاجه هو أن نفهم أن المشكلة ليست دينية أو ثقافية إنما هي مشكلة سياسية من الدرجة الأولي، فهل يأتي الوقت الذي فيه تجنب الحكومة المؤسسات الدينية بكل أطيافها ملف الفتنة الطائفية، وأيضا تجنب الأمن قليلا أو لا تجعل الملف في يد الأمن فقط، وتقوم بوضع خطة متكاملة ليس لإنصاف المسيحيين علي حساب المسلمين أو العكس، أو إنصاف البهائيين أو الملحدين أو الجهلاء أو الفقراء، لكن لإنصاف المواطن المصري ليعيش المسلم والمسيحي الفقير والغني الجاهل والمتعلم مدركا وفاهما للخطوات التي تتخذها الدولة في طريق العدالة والمساواة وحقوق الإنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه.