من الصحافة القومية.. مبانيها، مطابعها، جرائدها، مجلاتها، أساتذتها من الصحفيين، فنييها من أسطوات التجهيزات الفنية وعمال المطابع.. خرجت كل المهارات البشرية التي تقوم عليها مجموعة الصحف "المجاورة" من الصحف الحزبية أو المستقلة أو الخاصة. جميعهم بلا استثناء تدربوا وتعلموا الصواب من الخطأ في مجموعة الصحف القومية التي يمتلكها الشعب، ويبقي الصحفي ورئيس التحرير هو العامل الأشد تأثيراً في مجموعة العمل التي تنجز الصحيفة وتعدها للإصدار صباح كل يوم لو كان توقيت إصدارها يومياً، أو كل أسبوع لو كان توقيت إصدارها أسبوعيا، اذ تبدأ الصحيفة من عنده، وتحديداً من مكتب رئيس التحرير الذي عادة ما يضع - بمساعدة زملائه من المحررين وبالتشاور معهم - خطة المواد الصحفية التي سيتم نشرها في العدد من المقالات أو التحقيقات أو الأخبار وغيرها من المواد الصحفية المتنوعة. ولقد "تربي" كل صحفيي المؤسسات القومية علي ان يكون مجمل اعمالهم الصحفية لخدمة كل الشعب من ابناء الوطن دون تفرقة بين طائفة واخري، أو مهنة واخري، أو قطاع من قطاعات الشعب دون الآخر، هكذا تعلمنا وتربينا وتم اعدادنا .. فكتبنا وطبعنا وقامت الاصدارات الصحفية علي أكتاف اساتذتنا من كبار الصحفيين ونحن من بعدهم علي هذا الميثاق الذي يلتزم به كل صحفي، فكانت الصحف القومية هي اصل الدستور الذي يحكم الكلمة الصحفية في الخبر أو المقال أو الحوار الصحفي أو التحليل الإخباري وكل فنون العمل الصحفي. الا انه - للأسف، خرجت بعض الأفرع من الأصل لتخدم وطن المصلحة والمنفعة بدلاً من خدمة وطن الشعب، اذ في سبيل تحقيق انفراد صحفي وبلوغ معدلات بيع عالية خرجت جريدة المصري اليوم - التي لم تمض بضع سنوات قليلة علي صدورها - بحديث مع قيادة كنسية لها ثقلها صرحت بحديث ما كان يجب ان يصدر عن قيادة تتلمذت علي يدي رجل الدين المسيحي الوطني قداسة البابا شنودة، وتزامن مع تلك التصريحات مقال لمفكر اسلامي له ثقله هو الآخر تضمن توجيه اتهامات للكنيسة لا تستند الي دليل قاطع يؤيدها، وان كانت الجريدة تداركت الأمر بعدها. الا ان ذلك التدارك قد حدث بعدما تولدت بوادر فتنة مؤسفة ما كان لها ان تولد ابداً .. اذ انها فتنة "العلماء" من الجانبين، بعد ان عانينا من فتنة "البسطاء" من الجانبين الذين لم يتلقوا حظهم من العلم والمعرفة فكانت لهم معاذيرهم المنطقية لجهلهم بأمور المواطنة الحقيقية، واعقبت "جريمة" المصري اليوم، جريمة فرع آخر من أفرع الصحافة المجاورة، اذ نشرت جريدة الدستور مقالاً للدكتور محمد سليم العوا كانت جريدة المصري اليوم اعتذرت عن نشره اثناء محاولة تداركها لما سبق نشره علي صفحاتها، وبدا الأمر وكأنه تسابق نحو من يفجر السبق الصحفي قبل الآخر .. انها محاولة لتفجير وطن الشعب في سبيل خدمة وطن المصلحة. وكنت اتمني ان يمتلك كل من الزميلين رئيسا تحرير كل من الجريدتين الحس الوطني السياسي "المرهف" الذي يمكنه من تقييم الأمور الوطنية تقييماً عادلاً يضع مصلحة الوطن وابنائه فوق اعتبارات تحقيق المصلحة النفعية الشخصية، فاذا كان الحس "المرهف" هو دليل سمو الأحاسيس في الأمور العاطفية، فانه اوجب في الأمور الوطنية التي من شأنها ان تزرع بذور الاحتقان والفتنئة بين ابناء الوطن الواحد، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الي الاجتماع لا الفرقة التي بدأت تلوح في الأفق بوادرها المؤسفة، وكل ذلك بسبب النزعة الذاتية في علو المصلحة النفعية الشخصية وتغليبها علي المصلحة العامة للوطن وأبنائه .. علي الصحافة "الفرع" ان تعود الي الصحافة "الأصل"، ولن يكون ذلك الا ان تطبق ما تعلمته منها وتدربت عليه بين جدرانها .. ان تكون في خدمة وطن الشعب، لا ان تكون في خدمة وطن المصلحة ..