ابتلعت دوامة الحزن أحمد السقا بعد أن اكتشف أن والده قد سقط في دائرة المرض وأنه لا سبيل لإنقاذه من يد الموت، وخاصة أن الأب الذي كان توءم روح ابنه في الحياة كان يعاني من الفشل الكلوي ويحتاج إلي الغسيل، ولكن ما إن دخل إلي مستشفي الشروق، وقبل دخوله غرفة الغسيل بيوم واحد، أصيب أحمد السقا بجلطة في قدمه اليمني حزنًا علي والده، ودخل إلي المستشفي في حجرة أخري بجوار حجرة الأب إلا أن الجدار الذي يفصل بين الحجرتين، لم يكف لإخفاء خبر وفاة المخرج صلاح السقا إذ تسرب إلي ابنه الوحيد، ولا أحد يمكن أن يتخيل ما كان يدور في نفس أحمد وعقله فقد ظل يضرب الحائط بقبضته حتي كاد أن يحطم عظامها، حيث أصيب بكسر فيها، وتم إجراء الإسعافات الأولية له مع وضع اليد في الجبس، قبل أن يغادر أحمد المستشفي لحضور تشييع الجنازة من مسجد مصطفي محمود، وعاد أحمد السقا إلي المستشفي في حالة نفسية وصحية سيئة فاضطر الأطباء إلي إعطائه بعض المهدئات لينام قبل الخروج لاستقبال المعزين في عمر مكرم في اليوم التالي، وبكل المعاني الإنسانية ورغم الجلطة ووضع اليد اليمني في الجبس، ظل أحمد السقا متماسكًا وهو يردد «إنا لله وإنا إليه راجعون.. ادعو له بالرحمة»، ولم تفارق هذه الكلمات لسانه إلا أن تفكيره في فراق والده وأنه لن يراه مرة أخري، جعل الدنيا تدور به فسقط في نوبة إغماء مفاجئة، مما جعل الحاضرين يؤيدون نقله للمستشفي كي لا تسوء حالته. ولم تكن شقيقته فاطمة تستطيع أن تحبس دموعها التي تدفقت بلا انقطاع، رغم روح السكينة التي تكسو وجهها، وما خطف قلبي أيضًا هو موقف والدة أحمد التي انعكست الصدمة علي ملامحها ولم تعد تقاوم الألم الثائر في قلبها، فهي لا تعرف.. أتبكي علي فقد رفيق عمرها أم تجري للاطمئنان علي ابنها أم تخفف صدمة الفراق علي ابنتها ومن حولها. ارتباط أحمد السقا بوالده مثل علاقة الثمار بالأشجار، فأحمد قد تشبع بروح الفن التي ارتوي منها، وشكل موهبته وشخصيته علي هذا الأساس، وكلما تعرض لأزمة أو ورطة أو إصابة في أحد الأفلام، كان يجد في حضن والده الملاذ والأمن والأمان، فهذا هو السر الكامن وراء انهياره، فلو كان هناك شخص يعوضه عن والده لما ساءت الظروف والأحوال، إلا أن صلاح السقا قد علم أحمد منذ نعومة أظافره أن يكون قويًا في مواجهة الصعاب، وألا يترك للموت أية فرصة يدمر بها إرادة الحياة، فلتتمسك.. أيها الفارس النبيل، بزمام جوادك الحزين، ولتواصل رحلتك كما علمك والدك، فلا تنقصك الإرادة ولا الإيمان، ولله ما أعطي ولله ما أخذ، ولك الصبر والسلوان، وللفقيد جنة الرضوان «وإنا لله.. وإنا إليه راجعون».