"ما فيش سطح تاني. خلاص قفلته". صاح صاحب البيت وهو يخبط القفل بالباب كان كلامه موجها في الأساس إلي عم محمود ساكن الدور الأرضي. والذي أبلغ قسم شرطة العمرانية بنية صاحب البيت علي بناء دور مخالف للرخصة. وتم استدعاؤه وكتب تعهدا بعدم بناء دور جديد. كل ساكني البيت كانوا مقتنعين بما فعله عم محمود لكنه صار هو فقط المسئول عن منع البناء. بدأ العد التنازلي أو بدأ صاحب البيت في النزول . لم ينزل بسرعة. كان يتوقف عند بسطة كل دور. ويردد عدم فهمه كيف يكون البيت بيته ولا يستطيع البناء فيه. ويذكر الجميع بأنه كان سيبني سقف الدور الأخير بالخشب حتي يحافظ علي البيت ولا ينهار علي من فيه. وماذا كان سيكسب لو انهار البيت؟ تكرار كلامه عند كل دور كان ينم عن إصراره علي أن يسمع الجميع، وفي الوقت نفسه يمنحه فرصة ليلتقط أنفاسه ويستعد لمعاودة الصياح. هل كان ينتظر خروج أحد السكان ليؤيد موقفه ويشاركه غضبه؟ كل من البيت ودون اتفاق مسبق لم يخرجوا. استقر تفكيرهم جميعا علي عدم التكلم معه أثناء نزوله، فلن يتراجع عن قراره بإغلاق السطح، وحرمان محمود من الصعود إليه كما اعتاد في كل مغربية، وأية محاولة لإقناعه بالعدول عن قراره ستزيد الأمر سوءا. وربما - وهذا احتمال كبير - أن يكون عدد منهم فكروا في فتح الأبواب، ودعوته إلي شرب الشاي وتبادل الحديث معه، لكنهم كانوا يتراجعون مع اشتداد صوته وهو يهم بالنزول بعد أن استراح قليلا. كما أنهم خشوا من أن يسألهم عن موقفهم. فلا أحد يرغب في مجرد التظاهر بمعارضة ما فعله محمود. وإذا كان هو الذي بادر بإبلاغ الشرطة فكل واحد منهم أكد أنه كان سيفعل مثله لو لم يتراجع صاحب البيت عن قراره بالحسني. أحس كل من في البيت أنه سيظل ينزل السلم اليوم كله. وكلما ظنوا أنه وصل إلي باب البيت يأتيهم صياحه وقد صار أقرب إلي صوت مبحوح غير واضح، وإن كان الجميع يعرفون أنه يكرر ما قاله منذ أن بدأ رحلة نزوله. في هذا اليوم أحضر أحد الفواعلية، وطلب منه إخراج كل الخردة التي في المخزن. وصاح " حاشوف بقي فين الفيران دي " التي كان محمود يشكو دائما من تسللها من تحت باب المخزن. وكان صاحب البيت ينفي وجودها بدليل أنه يمكث داخله ساعة أو أكثر كلما أتي دون أن يلحظ أي فأر. كان العامل في البداية يرص الأشياء بعناية. وعندما فهم الحكاية بدأ يرمي بها ولا يهتم باصطدام شيء بباب شقة محمود. ويعلو ضحك الاثنين كلما أشار العامل إلي شيء في يده " اقتل الفار ده ولا أحطه جنب إخواته؟ " تكومت كل الأشياء أمام الشقة. وغادر صاحب البيت بعدما أغلق باب المخزن. شق محمود طريقا ليمر منه وسط الركام. والتقط مسامير رآها صالحة للاستخدام. وصواميل قد تفيده في إصلاح شيء. تفهم السكان غضب محمود ووعدوه بالتدخل لإنهاء المشكلة لكنهم حذروه من تنفيذ فكرته برمي كل هذه الخردة في الشارع، حتي لا تكبر المشكلة، وبالتأكيد سيعيدها صاحب البيت إلي مكانها مادام احتفظ بها كل هذه السنوات. كانوا يقولون هذا وعيونهم تفتش في الأشياء عما يقنعهم بأهميتها. بعد أسبوعين وبسبب إلحاح السكان وافق صاحب البيت علي فتح المخزن بعد إلحاح السكان عليه، وبعد أن تبرع احدهم بإحضار عامل ليعيد إليه الأشياء المتراكمة أمام شقة محمود وقد نقصت بعد أخذ الكبار والصغار منها ما يريدون. لكنه ظل رافضا فتح باب السطح وكرر جملته " مافيش سطح تاني" التي بدت علي أنها عقاب للجميع.