سأل أحدهم برنارد شو ذات يوم لماذا أنت كثير الحديث الدائم عن الفلوس؟ فرد عليه متسائلا:ً وماذا تريدني أن أتحدث عنه؟ أجاب السؤال قائلاً: يمكنك أن تتحدث عن أشياء كثيرة.. عن الشرف مثلاً.. فرد برنارد شو قائلاً: كل منا يتحدث عما ينقصه! لقد أصاب برنارد شو بالفعل.. فنحن نسمع كثيرًا الآن من البعض عن الشرف وعن النزاهة وعن كل صفات الأخلاق الحميدة، بينما هم لا علاقة لهم بكل ما يتحدثون عنه.. إنهم يطالبون غيرهم بما لا يستطيعون أن يلزموا به أنفسهم. تجد من ترتفع عقيرته ليل نهار وهو منتفخ الأوداج داعيًا لنشر قيم الديمقراطية وإرساء دعائمها، وإزالة أي قيود تعترض حرية الرأي والتعبير والصحافة، بينما هو في حقيقة أمره ديكتاتور صغير في موقعه وعمله ونشاطه السياسي، لا يقبل اعتراضًا من أحد ولا يسمح لأحد بأن يختلف عما يقول، وإذا ما جاهر أحد بالاختلاف في الرأي معه نعته بأفظع الأوصاف. ونجد من ندر نفسه لمكافحة الفساد وكشف الفاسدين في كل مكان، داعيًا طوال الوقت للإصلاح الإداري والسياسي وكل أنواع الإصلاح.. بينما هو متورط في بعض أنواع هذا الفساد الذي يدعي أنه عدوه اللدود، وأنه مبعوث العناية الإلهية لتطهير أرض الكنانة من الفاسدين. ونجد من يقدم لنا نفسه علي أنه أبوالمواطنة والراعي الأول لها الذي يهتم بصيانتها وحمايتها لضمان أمن ووحدة هذا الوطن بينما هو في قرارة نفسه معادٍ لكل من يختلفون في الانتماء معه، سواء كان هذا الانتماء دينيا أو جنسيًا أو سياسيًا.. بل نراه في بعض الأوقات ينتهج سلوكا منافيا للمواطنة ومثيرًا للفتن بكل أنواعها، وفي مقدمتها بالطبع الفتن الطائفية. إنه الزيف بكل صوره ومعانيه الذي تنطق به هذه الكلمة.. الزيف الذي يمارسه هؤلاء والذي يقدم من خلاله هؤلاء وغيرهم أنفسهم علي غير حقيقتهم.. أو في صور يضللون بها الرأي العام، خاصة البسطاء من الناس إنه الزيف الذي يحول الفاشل إلي مدرس للآخرين بعد أن يعتلي زورًا وبهتانًا صهوة الكفاءة. وهو الزيف الذي يحول الفاسد إلي دعاية إلي مكافحة الفساد وتطهير الأرض من شرور الفاسدين وحماية البلاد من أخطارهم. وهو الزيف الذي يخدع به محبو الديكتاتورية وأنصارها الناس بأنهم من دعاة الديمقراطية والحريصين علي نشرها في ربوع البلاد، والجادين في انجاز إصلاح سياسي فيها. وهو الزيف الذي يضحك به أنصار الفتن علي الناس ليصوروا أنفسهم علي أنهم مدافعون عن المواطنة وسلامة الوحدة الوطنية وازدهارها. وممارسة الزيف ليست جديدة علينا.. بل لقد مارسه كل من امتهن أقدم مهنة في التاريخ وهي مهنة البغاء. لكن دائما هذا الزيف ينكشف أمره في نهاية المطاف، لأن الناس البسطاء أذكياء، وقادرون علي أن يفرزوا الغث من السمين.