يستعد المسرحيون لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الذي تنعقد دورته الجديدةبالقاهرة خلال الفترة من 10 إلي 20 أكتوبر القادم، فتبلغ التحضيرات ذروتها خلال الأيام القادمة وتتحول المسارح إلي ما يشبه خلايا النحل التي تعمل ليل نهار، الكل يداعبه طموح أن يحظي بتمثيل مصر في المسابقة الرسمية وأن ينافس أو ينجح في انتزاع إحدي الجوائز الهامة، ولكن تبقي المشكلة المتعلقة بموسمية فعل التجريب بمناسبة اقتراب المهرجان، فقد اقترنت المحاولات التجريبية موسميا بانعقاد المهرجان فقبل انعقاده بشهور قليلة تبدأ الفرق والجماعات المسرحية في البحث والتفكير عن أعمال ذات طابع تجريبي للمشاركة في فعاليات المهرجان وكأن الأمر شأنًا وظيفيًا سنويًا أو خانة موسمية ينبغي تسديدها. والمسئولية هنا ملقاة علي عاتق المسرحيين أصحاب النزعات التجريبية أنفسهم.. فالتجريب هم عام وفعل ثقافي ووعي مضاد للأفكار والمضامين والأشكال السائدة والموروثة التي استنفدت دورها التاريخي والاجتماعي والفني. وهذا بالتحديد ما يحتاجه مجتمعنا الذي غلبت علي ثقافته عناصر المحافظة والجمود لفترات طويلة، وهذا أيضًا ما يجعلنا ندافع عن فكرة التجريب التي يجسدها هذا المهرجان ونري أن الهجوم المجاني علي المهرجان التجريبي ووصفه في بعض الأحيان «بالتخريبي»، هجومًا خاطئًا يعود بنا للوراء ويسعي لإلغاء أحد المنجزات الثقافية الهامة.. ولا يعني هذا الرأي التهليل والتطبيل للمهرجان التجريبي، وإنما يعني أننا يجب أن نتحلي بثقافة نقدية موضوعية فنضع يدنا علي أوجه القصور ونعمل جميعًا لتجاوزها بعيدًا عن ثقافة الإلغاء والهدم والمصادرة فأنا مثلا مع الدعوة لتقليل عدد الفرق الوافدة للمشاركة في فعاليات المهرجان والاهتمام بارتفاع مستوي وقيمة الفرق وتنحية الكم جانبًا حتي لو أدي الأمر إلي مشاركة عشرة أو خمس عشرة فرقة ذات مستوي عالٍ وذلك وصولاً للاحتكاك والاستفادة المرجوة من وراء مثل هذا الحدث.. وكذلك أري ضرورة تغيير الوجوه الثابتة التي تتشكل من بينها لجان اختيار العروض المشاركة وذلك لإفساح المجال لحساسيات فنية مختلفة وأجيال جديدة تم استبعادها حرصًا علي وجود أسماء قديمة وراسخة - مع كل التقدير والاحترام لهذه الأسماء وقيمتها التي لا يمكن التشكيك فيها - فهذا الثبات يناقض الفكرة التي قام من أجلها المهرجان وبوسعنا أن نرصد العديد من الملاحظات والاقتراحات التي من شأنها تطوير المهرجان ودفعه إلي الأمام عبر التجديد والتطوير ولست أظن أن الدكتور فوزي فهمي رئيس المهرجان الذي نجح في التأسيس له واستمر به في أمان وسط أنواء وعواصف عديدة شهدتها السنوات السابقة خاصة الأولي من عمره عقب انتقال المهرجان من كونه فكرة لامعة في ذهن الوزير فاروق حسني إلي حقيقة في عام 1988 وهو عام انعقاد الدورة الأولي للمهرجان. لست أظن أن الدكتور فوزي لن يلتفت لأي دعوة موضوعية لتطوير آليات عمل المهرجان. أما محاولات هدم هذا المهرجان فهي لا تخرج عن كونها ترديداً لأفكار محافظة تقتنع بالرأي الواحد وتخشي الاختلاف، تطمئن إلي الاتباع والتقليد وتفزع من روح التمرد والمغامرة والتطلع إلي المستقبل والوعي الذي يضع كل شيء موضع المساءلة.. إن التجريب ضرورة للنشاط الثقافي في دول العالم الثالث وليس كما يزعم هؤلاء ترفًا يليق بدول العالم المتقدم الذي تجاوز أزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل إن هذا التقدم ذاته مرهون بالجهد الإبداعي للمثقفين الطليعيين وبالتعدد وبالحرية والتخلص من الاتباع والتقليد اللذين هما سمة من سمات الفكر المحافظ. وبالنظر إلي أهمية التجريب يصبح علي المسرحيين ممارسة فعل التجريب بشكل مستمر كمجال بحث دائم لا يتعلق بمناسبة انعقاد المهرجان التجريبي، وإنما يتعلق بالهم العام وذلك عبر الورش والمختبرات المسرحية وأن يتجاوز شباب المسرح ما هو «شبه التجريبي» أو ما هو محاكاة لعروض غربية لا تنتمي لشروط واقعنا المعاش واحتياجاته وأن يلتفتوا إلي الثراء الذي خلفه لنا التراث الشعبي والتاريخ والأسطورة والحكايات الشعبية والأمثال والأغاني والأدب العربي والملاحم الشعبية وكلها مصادر قابلة لأن تشكل بإعادة قراءتها أفقًا تجريبيًا متميزًا وشديد الخصوصية ورغم كونها مفردات قديمة إلا أنها يمكن أن ترسم ملامح مستقبلية للمسرح المغاير الباحث عن مناهج وتقنيات جديدة عبر التجريب المستمر وليس التجريب الموسمي. وكل تجريبي وأنتم بخير.