تشهد المنطقة العربية انحساراً ملحوظاً للمد السياسي والبرلماني الذي اكتسبته بعض التيارات والتنظيمات الدينية خلال السنوات الخمس الماضية بضغط من الإدارة الأمريكية السابقة التي قادها اليمين المتطرف. لا يتوقع أي من المراقبين حتي المتعاطفين مع جماعة الإخوان المحظورة في مصر أن تحقق الجماعة نفس عدد المقاعد التي حصدتها في الانتخابات البرلمانية الماضية لعدة أسباب يتعلق بعضها بالأزمات التي تعرض لها التنظيم وافقدته شعبية الشارع إضافة إلي ضعف أداء النواب ال88 الذين وصلوا للبرلمان وغلبة التزامهم التنظيمي علي مصلحة الدوائر التي يمثلونها. في الأردن أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي مقاطعته الانتخابات المقبلة بعد الهزيمة التي لحقت به في الانتخابات الأخيرة حفاظاً علي التنظيم، فيما تقف حركة حماس في فلسطين ضد إجراء انتخابات برلمانية خوفاً من غضب الشارع من ممارساتها القمعية بعد الانقلاب العسكري في غزة. الحال في المغرب والجزائر والكويت والجزائر لم يكن أحسن حالاً من التجارب السابقة وسعياً لتفسير هذه الظاهرة سألنا عدد من الباحثين والمهتمين بالظاهرة. الباحث الفلسطيني سمير غطاس رئيس مركز مقدس للدراسات قال: إن صعود التيارات الدينية سياسياً كان صعوداً زائفاً نتيجة الفوضي التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث طرح الإسلاميون أنفسهم كبديل للتيارات القومية من ناحية والأداء السياسي الضعيف للنخب الحاكمة من ناحية أخري، فما كان أن أعطي الناس أصواتهم لعناصر هذه التنظيمات حتي فوجئوا بأن هذه التيارات لا تؤمن، من قيم الديمقراطية إلا بظاهرها فقط وسرعان ما انقلبت عليها بممارسات قمعية من ناحية وشللية من ناحية أخري. ويشير غطاس إلي أن أداء الإسلاميين الشكلي في أغلب البرلمانات كان سبباً في تراجع شعبيتهم مشيراً إلي أن بعض أجهزة الحكومة كما هو الحال في مصر قدمت معارضة أقوي من هذه التيارات مدللاً علي ذلك بالمستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي قال إنه قاد المعارضة ضد الحكومة بمعلومات موثقة وموضوعية علي خلاف معلومات الإخوان المغلوطة أحياناً والهادفة للاثارة في أحيان أخري. ويتوقع غطاس أن يكون التصويت لمرشحي الإخوان في الانتخابات المقبلة قاصراً علي الكوادر المنتظمة في الجماعة كما توقع أن تثير الجماعة كثيرًا من الضجيج حول الانتخابات بدعوي التزوير بما قد يتسبب في مشكلات تعقب الانتخابات نفسها. الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع رأي أن هذا التراجع نتيجة الفشل الذريع الذي منيت به أنظمة تسمي نفسها إسلامية وهي في حقيقة الأمر متأسلمة تستخدم الدين مطية للوصول إلي سدة الحكم. ومثل السعيد بتجارب الأردن وإيران وحماس وغيرها التي لم تفعل شيئًا سوي سلبها للديقراطية من الشعوب التي انتخبتها وجاءت بها إلي السلطة. وتطبيقًا علي الحالة المصرية يضيف السعيد: الناس في مصر شعرت بمدي خديعة الإخوان في التجربة البرلمانية السابقة وبالتالي فليس من المتوقع أن تحصل الجماعة علي نفس عدد المقاعد التي حصدتها في الانتخابات السابقة. كمال حبيب المتخصص في الحركات الإسلامية أرجع انحسار تجربة الإسلام السياسي في البلدان العربية إلي غياب الضغوط الخارجية وتحديدًا المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ضغطت علي الأنظمة العربية بهدف السماح لهذه الجماعات إلي حلبة المنافسة السياسية لكن تراجع المحافظين في أمريكا أتبعه تراجع هذه الحركات في جميع الدول العربية خاصة بعد أن اكتشفت الولاياتالمتحدة حقيقة أفكار هذه التيارات المعادية لها. وعن تجربة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر قال: الناس وجدت من خلال وجود ال88 نائباً في البرلمان أنهم لم يقدموا شيئًا سواء للجماهير أو علي مستوي مشروعهم السياسي والفكري ومن هنا جاء تراجعها جماهيريا. الباحث المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبدالفتاح يعزي هذا التراجع إلي سبب عام وأسباب خاصة. السبب العام كما يري عبدالفتاح هو عدم قدرة الإسلاميين في كل البلاد العربية والإسلامية ما عدا حزب العدالة والتنمية التركي علي تقديم تصور عام وشامل لمشروعهم الفكري والسياسي مكتفين ببرامج فضفاضة تدغدغ مشاعر الجماهير. واستعرض عبدالفتاح الأسباب الخاصة المتعلقة بكل تجربة ففي حالة السودان رأي أن شيوع تيار محافظ ومتشدد أدي إلي تمزيق وحدة السودان إضافة إلي ما سماه حالة التوتر بين الإسلام العربي والأفريقي كما في تجربة دارفور التي كانت همزة الوصل بين العرب والأفارقة. وعن الحالة الإسلامية في الكويت قال: «الصراع الذي نشب بين الإسلام السني والشيعي كان هو السبب الأبرز لفشل التجربة من أساسها». أما حزب العدالة والتنمية في المغرب فعلي الرغم من تقديمه تجربة برلمانية متميزة، إلا أنه فشل في تقدم خطاب إسلامي واضع المعالم والأهداف واكتفي بإثارة حراك برلماني. وأرجع عبدالفتاح فشل التجربة الإسلامية في الأردن إلي تأثرها إلي حد كبير بما يحدث في مصر والعراق وبالتالي خلقت توترات شيعية مع حركات الجهاد كادت تؤدي إلي نتائج كارثية لولا حنكة الأسرة الحاكمة في إدارة شئون البلاد، وحمل الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية تأثير هذه التجارب علي الحالة السلبية لصورة المسلمين في الغرب. وعلق عبدالفتاح مستقبل هذه الحركات علي طبيعة التغيرات السياسة في كل دولة من هذه الدول علي حدة.