عقب إعلان جامعة القاهرة منح الدكتوراه الفخرية للسيدة سوزان مبارك تقديرا لدورها الكبير في مجال الخدمة المجتمعية أصدر عدد محدود من أساتذة الجامعات بيانا طويلا عريضا اعتبروا فيه التكريم نوعا من النفاق والاستغلال السياسي للجامعة، وجد طريقه إلي الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية. وقد تلقيت هذا البيان بنوع من الأسي، لأنه صادر عن شخصيات أكاديمية يفترض منهم، وزن الكلمات والمواقف بميزان دقيق، إذ إن أبسط قواعد العلم تقتضي عدم إعلان موقف من أي قضية قبل دراستها دراسة متأنية، تبحث في الأسباب وتخلص إلي نتائج. ومن الأسباب التي لا يحتاج أي إنسان عادي الكثير لمعرفتها أن السيدة سوزان مبارك، تبنت خلال العشرين عاما الأخيرة مبادرات متنوعة غيرت كثيرا في شكل مصر، بل إن بعض مبادراتها تخطت الحدود المصرية لتصبح حالة عامة تنتهجها الكثير من الدول ومنها المشروع العملاق القراءة للجميع، الذي أكمل عامه العشرين، وشجع الكثيرين علي القراءة، وجعل وجود مكتبة في معظم البيوت أمرا يسيرا حتي علي الفقراء. ويحسب للسيدة سوزان مبارك من خلال رئاستها لجمعية الرعاية المتكاملة، وهي نموذج مشرق ومشرف للعمل الأهلي التطوعي، قيادة عدة مشروعات لخدمة المجتمع، منها تطوير بعض المناطق العشوائية مثل زينهم، وعزبة الوالدة وغيرهما، ويحسب للجمعية إنشاء سلسلة مكتبات عامة، أشعر بالفخر والسعادة كلما اصطحبت ابني إليها. ومن بين مبادرات السيدة سوزان مبارك العظيمة مشروع المائة مدرسة الذي أطلقته قبل أعوام تحت مظلة جمعية الرعاية المتكاملة، وأصبح يتسع لألف مدرسة الآن، ويهدف إلي تطوير مئات المدارس في المناطق العشوائية وغير المخططة في كل ربوع مصر، ولا يقف الأمر علي المدارس، وإنما يمتد لتطوير الحي الذي توجد به المدرسة، ومحاولة تغيير سلوكيات الناس، ونظرتهم إلي المدرسة.. والتعليم. سوزان مبارك أيضا قادت الحملة القومية للقضاء علي شلل الأطفال، وبعد أن كان مرضا يصيب أطفالنا بإعاقات تغير حياتهم، أصبحت مصر تحتفل بخلوها من شلل الأطفال، في نفس الوقت الذي ترعي فيه المدارس الصديقة للفتيات التي تحارب منع تعليم الإناث، وتسربهن من التعليم، إضافة إلي مبادرات أخري في مجال تمكين المرأة، ومحاربة ختان الإناث، ولا ننسي لها جهودها لإحياء مكتبة الإسكندية التي تحولت إلي منارة ثقافية كبيرة. وقد يري البعض أن السيدة سوزان مبارك استطاعت تحقيق كل هذه الإنجازات لأنها قرينة رئيس الجمهورية، لكن هذا ليس عيبا، فقد أصبحت السيدات الأول في كل أنحاء العالم يلعبن أدوارا اجتماعية نقرأ عنها كل اليوم. وحين عدت إلي الإنترنت وبحثت عن تكريم سوزان مبارك، وجدت خلال السنوات الأربع الماضية أنها حصلت علي أكثر من دكتوراه فخرية وتكريم من كبريات الجامعات العالمية، منها السوربون و برلين الألمانية، وهما جامعتان تفوقان جامعة القاهرة عراقة، وترتيبا في سجل أفضل الجامعات علي مستوي العالم، لكن أيا من أساتذة تلك الجامعات لم يعتبر الأمر نفاقا سياسيا، كما تم تكريم السيدة سوزان مبارك من الأممالمتحدة في قمة المرأة ومن اليونسكو، ومنظمات إفريقية وأوروبية وأمريكية متنوعة. كنت أتمني من السادة أساتذة الجامعات الذين وقعوا هذا البيان المسيء لهم أولا، أن ينظروا لإنجازات هذه السيدة بغض النظر عن موقفهم السياسي من نظام الحكم، وقد تكون لنا تحفظات علي سياسات مصر الداخلية والخارجية، لكن تصنيف معارض لا ينبغي أن يعمينا عن رؤية الإنجازات، ولا ينبغي أن يجرنا للهجوم علي ما يستحق الإشادة.