لم يصل أحد في مجال الإعلام التليفزيوني إلي ما وصلت إليه.. ولم يحقق أي برنامج تليفزيوني مثلما حقق برنامجها.. ولم يكن لإعلامي تأثير علي جمهوره ومشاهديه مثلما كان تأثيرها.. ورغم ذلك قررت التوقف، وأعلنت ذلك منذ عام تقريباً.. وكانت حلقة يوم الاثنين الماضي (13 سبتمبر) هو موعد تنفيذ ما قررته، وما خططت إليه منذ فترة. ظن الكثيرون أن ما أعلنته أوبرا وينفري منذ عام من توقفها عن برنامجها الشهير «أوبرا شو» مجرد فكرة سرعان ما ستتغير.. فكم عدد الإعلاميين الذين أعلنوا عن هذه الفكرة قبل ذلك، واستأذنوا مشاهديهم وقراءهم في الانصراف والتوقف ثم عادوا! وكم من مذيع أو مقدم برنامج أعلن أن هذا العام هو العام الأخير له في مجال الإعلام ثم نري السنة وقد تحولت إلي سنوات. وكلنا أمل في أن يصدق في قوله، وأن ينفذ وعده.. غير أن أوبرا صدقت في قولها. في الحلقة الأخيرة من برنامجها، الذي احتفلت أوبرا بمرور خمسة وعشرين عاماً علي انطلاقته، جهزت أوبرا كل وسائل التأثير العاطفي في مشاهديها.. كان وداعاً مؤثراً ومشوقاً في الوقت ذاته.. إضافة إلي ذلك فقد أعدت مفاجأة لما يزيد علي المائة شخص حضروا الحلقة في الاستديو بأن قررت اصطحابهم إلي «الجزء الآخر من العالم» علي حد تعبيرها، إلي استراليا. وهي رحلة تعتبر حلماً لملايين الأمريكيين.. وكانت المفاجأة الأكبر أن يكون بصحبتها وصحبة جمهورها في هذه الحلقة في الرحلة المعتزمة إلي استراليا النجم الأسطورة «جون ترافولتا» قائداً للطائرة التي تم إدخالها إلي الاستديو.. إن قصة نجاح أوبرا وينفري هي قصة نجاح الإنسان الأمريكي ذاته.. من حيث تمثيلها لكيفية التغلب علي المصاعب وكيفية تطويع الأشياء لصالحها.. نجحت أوبرا وحققت ما عجز عنه كثير من الإعلاميين، وهو «التواصل» مع الجمهور من ناحية، و«المصداقية المهنية» من ناحية أخري.. علي سبيل المثال، تعرض أوبرا في برنامجها فقرة عن الكتب التي تستحق أن يقرأها الناس.. هذه الفقرة كانت تحدد بشكل كبير «سوق توزيع الكتب».. وكم من كاتب مغمور أصبح بين ليلة وضحاها في عداد المشاهير من ناحية وأصحاب الملايين من ناحية أخري، لا لشيء إلا لأن أوبرا ذكرت اسمه أو كتابه ضمن الكتب الجديرة بالقراءة.. إنها المصداقية التي تجعل ما يقوله الإعلامي حقيقة ولو كان رأياً.. كان الشاعر العربي القديم يقول «إذا قالت "حزامي" فصدقوها.. فإن القول ما قالت حزامي».. وحزامي كانت امرأة يضرب بها المثل في الصدق.. ونحن بدورنا نقول: إذا قال الإعلامي شيئاً فلابد أن يراعي ضميره المهني، وأن يجعل المصداقية هدفاً له ولمحطته.. لأن الجمهور لم يعد يقتنع بالمذيع «أبو لمعة»!