في الوقت الذي يطالب فيه أطقم التمريض في مصر بتوفير كادر وعائد مادي مناسب لهم جاءت الإحصائية التي أطلقها مؤتمر جمعية دراسة أمراض الكلي والغسيل الكلوي وأمراض الكبد في كلية طب قصر العيني لتفجر مفاجأة من العيار الثقيل. الإحصائية كشفت أن 90% ممن يعالجون في وحدات الغسيل الكلوي يصابون بفيروس «C» نتيجة أخطاء تمريضية كعدم النظافة وشيوع الإهمال والفوضي بين اعضاء هيئات التمريض. أعادت المفاجأة إلي بؤرة الاهتمام مرة أخري واقع التمريض في مصر ودوره وأهميته في علاج المرضي وتخفيف آلامهم فهل الإهمال هو سيد الموقف أم أن أخطاء الأطباء يتم تحميلها لهيئة التمريض.. التفاصيل في رصد ميداني واستطلاع أجرته «روزاليوسف» في محاولة للإجابة عن الأسئلة الصعبة. فكرة البحث أمسكنا بالخيط من أوله.. سألنا أسامة عبدالعظيم، أستاذ أمراض الباطنة والكلي بكلية طب قصر العيني قائد الفريق البحثي الذي أصدر الدراسة فقال: «فكرة البحث جاءت من ملاحظة وجدناها في وحدة علاج أمراض الكلي والفشل الكلوي، خصوصًا المرضي الذين تتم معالجتهم عن طريق الغسيل الكلوي وهي أن 90% منهم أصيبوا بفيروس «C» بسبب عدم اتباع التمريض لنصائح منظمة الصحة العالمية، فيما يخص التعامل مع المرضي من ارتداء -قفاز- واحد لكل مريض وتوافر عربة غيار واحدة لكل مريض وكذا التنظيف الدوري لجهاز الغسيل الكلوي، إضافة إلي ضرورة الاحتراز من رذاذ الدم المتطاير من المرضي عند الجراحة، حيث يسبب انتقال المرض. وعن الفاعلية العملية لهذه النصائح يضيف أستاذ الكلي: عندما اتبعت هذه النصائح في المملكة العربية السعودية انخفضت نسبة المرضي من 40% إلي 20%، مشيرًا إلي أن تنفيذ هذه التعليمات يتطلب ميزانية ضخمة لتوفير أدوات تستخدم لمرة واحدة وهو الأمر الذي يصعب توفيره واقعيا. الغسيل الكلوي توجهنا إلي مستشفي حلوان العام، حيث وحدة الغسيل الكلوي التابعة لها وقابلنا عبدالعال حسين -38 عاما- الذي أصيب بفشل كلوي منذ 10 أعوام الذي أثني علي نظافة المكان وإجراءات الوقاية التي تنتهجها الممرضات داخل الوحدة، ورغم أنه يقوم بالتدخين وقت عملية الغسيل الكلوي، إلا أنه يحمل نفسه مسئولية ذلك. ويلفت إلي تنبيه طبيب الوحدة علي المرضي بعدم الموافقة لأي من طاقم التمريض للتعامل معهم في حالة عدم ارتداء القفازات واتباع الأساليب الصحية السليمة. سميرة عبدالمنعم -65 سنة- بدأت إجراء عملية الغسيل الكلوي في الوحدة منذ 8 أعوام، أصيبت بفيروسC في فترة تلقيها تلك الجلسات في وحدة الغسيل الكلوي، حيث اكتشف الأطباء ذلك بعد إجراء تحليل لها دون إخبارها بسبب الإصابة. عينات دورية نزيهة عبدالسلام محمد -مشرفة التمريض بوحدة الغسيل الكلوي بمستشفي حلوان العام- ترفض اتهام التمريض بالتسبب في إصابة 90% من مرضي الفشل الكلوي بفيروس C، خاصة أنها لم تكتشف إصابة أي من المرضي بالفيروس طوال فترة عملها، حيث تؤخذ عينات دورية كل 3 شهور من المرضي لتحليلها في المعامل التابعة لوزارة الصحة، بل إنها أكدت علي شفاء بعض مصابي فيروس C أثناء تلقي العلاج بالوحدة. ومن مستشفي حلوان العام إلي مستشفي قصر العيني التابع لجامعة القاهرة التي توجد وحدة الغسيل الكلوي بها مشكلات عديدة بل كوارث كما يصورها الدكتور شعبان محمد مرسي -كلية دار العلوم جامعة القاهرة وأحد المرضي- الذي يتردد علي الوحدة منذ 5 سنوات، لافتًا إلي أن ماكينات الغسيل الكلوي غير صالحة، ولا أحد من مسئولي المستشفي يلتفت إليهم.. مستطردًا: «لا تتخيل حجم الألم الذي ينتاب المريض في حالة تعطل الأجهزة أثناء إجراء جلسة الغسيل الكلوي. الحاجة فتحية -64 سنة- التي تم نقلها بين ثلاثة أجهزة للغسيل الكلوي بسبب تعطلها.. كررت نفس الشكوي قائلة: «تعطل الأجهزة هو المشكلة». سحب الدم أما محمد عبدالقادر -موظف- فيلفت إلي أن القائمين علي وحدة الغسيل الكلوي بقصر العيني يسحبون لترين من دمه وإعادتها مرة أخري بدلا من سحب 3 لترات وهو المفروض أن يحدث مما يتسبب في متاعب أخري للمرضي. وائل فاروق مسئول التمريض بالوحدة أكد علي أن ما نشرته الدراسة من مسئولية التمريض عن التسبب في إصابات الفيروس C بين مصابي الفشل الكلوي صحيح لأن الممرض أو الممرضة هما المباشران لعملية الغسيل للمرضي مشيراً إلي أحد المرضي الذي أصيب بفيروس «B» وكان يتلقي علاجه في وحدة الغسيل الكلوي متسائلا من أين أتت له الإصابة إذا لم يكن التمريض مصدرها؟ ورغم ذلك يلفت إلي التزام الوحدة بأساليب الوقاية من العدوي والنظافة والتطهير. انعدام الوعي الدكتور سعيد شلبي أستاذ الكبد بالمركز القومي للبحوث يتهم الكثير من أطقم التمريض بعدم الوعي أو الأمانة مشيراً إلي إمكان استخدام سرنجة واحدة لأكثر من مريض الأمر الذي يتسبب في انتقال الأمراض من شخص مصاب لآخر سليم.. ويلفت إلي أن عدم اهتمام التمريض بالتعقيم وخلافه تسبب في جعله مصدراً للعدوي مشيراً إلي أن عيادات الأسنان من أكثر الأماكن إهمالاً. واعتبر أن ضعف العائد المادي للتمريض يتسبب في بحث الممرض أو الممرضة عن عمل إضافي ينتج عنه الإهمال في العمل الرئيسي. طرق الوقاية أمينة عبدالمجيد مديرة مدرسة التمريض التابعة للقصر العيني الفرنساوي رفضت تحميل التمريض مسئولية انتشار الأمراض قائلة طرق الوقاية من الأمور التي يتعلمها الخريج في أول يوم دراسة في التمريض إضافة إلي مكافحة نقل العدوي والنظافة والتعقيم المستمر للأدوات إلا أنها أشارت إلي إمكانية حدوث بعض الأخطار الفردية التي لا يمكن تعميمها مشددة علي ضرورة توفير العائد المادي المجزي للممرضين والممرضات حتي يصبح هناك تركيز في العمل بدلاً من تشتته من أجل البحث عن فرصة عمل أخري. الدكتورة هدي زكي مستشار وزير الصحة لشئون التمريض رفضت بشدة تحميل التمريض مشكلة انتشار الأمراض لأن أطقم التمريض تعمل وفق الإمكانيات المتاحة لديها من أدوات ومواد كيماوية وغير ذلك في إطار تقاليد طبية معروفة للعاملين في مجال التمريض وتضيف »يصعب أن تتوافر الإمكانيات المناسبة ويحدث خطأ من نوعية عدم التعقيم أو النظافة أو استخدام سرنجة واحدة مرتين وغير ذلك. مشيرة إلي أن عدم توافر العائد المادي المناسب يؤثر سلبا علي أداء التمريض. لجنة الصحة الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب رفض هو الآخر تحميل التمريض مسئولية انتشار أي مرض ويري أن المنشآت العلاجية من مستشفيات وعيادات هي المسئولة عن ذلك لأسباب عدة منها عدم الاهتمام وغياب الرقابة. وحول مقترحات لجنة الصحة بالبرلمان برفع مستوي التمريض في مصر قال: رفعنا عدة توصيات إلي وزير الصحة بخصوص توفير عائد مادي مناسب وتكثيف التدريب من أجل رفع المستوي المهني والعلمي لدي العاملين في مجال التمريض. وأضاف: تم تنفيذ بعض هذه التوصيات والباقي لم ينفذ. مكافحة العدوي من جانبه قال فتحي البنا نقيب التمريض لا يمكن أن يؤدي إهمال التمريض إلي نقل فيروس »سي« لأن من يدير ويتحكم في غرف الغسيل الكلوي فريق متكامل من التمريض ووحدات مكافحة العدوي والأطباء ويوضح أن ترخيص مزاولة المهنة الصادر للعاملين في مجال التمريض ينص علي أن الممرض ليس له الحق إلا في تركيب حقن العضل وتحت الجلد ومساعدة الطبيب ومده بالأدوات فقط ومن ثم وحدات الغسيل الكلوي مسئولية الأطباء وليس التمريض.