للعيد إحساس بالغبطة والسرور لا تخطئه القلوب، ولأن بيننا بعض القلوب المرهفة، نجدها أقدر البشر علي التعبير المختلف عن البهجة، ونقصد بهم تحديدا الأدباء، وبما أن العيد له طقوس وأحاسيس خاصة به تميزه عن بقية الأيام، يعبرون عنها بطريقة بالغة الخصوصية، خاصة فيما يرد في أعمالهم الإبداعية، والتي قمنا بقراءة بعض منها لمبدعين من أجيال مختلفة، لنستكشف معا كيف يري الأدباء العيد، وكيف يصورونه في أعمالهم الأدبية، سواء كانت شعرا أو نثرا. ففي رواية "خان الخليلي" رائعة نجيب محفوظ، نجده وقد حاول إظهار أهم طقوس العيد وسلوك المسلمين عادة في أول أيام العيد وهو الإفطار بالكعك والحليب وتوزيع العدايا علي الأطفال فيقول: "وبسطت الأم راحتها وقالت ضاحكة: عيديتي يا سادة وكل عام وأنتم بخير، وقد تعود كل منهم أن يعطيها نصف جنيه عيدية، فكانت تفرح بعيديتها فرح الأطفال بل تنفقها كما ينفقها الأطفال فتبتاع ما تشتهيه نفسها من الشيكولاتة والملبس، ثم أحضرت فطار العيد كعكا وحليبا، فأقبلوا في غبطة، والصائم يشعر بغرابة وإنكار وحذر وهو يتناول أول لقمة صباح العيد، ثم يصيب من طعامه جذلا مسرورا، فليس أجمل وقعا في النفس من لحظة سعيدة بين واجب قامت بحقه وتصبرت سعيدا علي أدائه، وبين تمتعها بلذة الجزاء وراحة الضمير، وتناولوا الكعك بأناملهم وقضموه بلذة حتي رسم دوائر من السكر حول أفواههم ثم أساغوه بالحليب". أما في رواية "خالتي صفية والدير" للكاتب بهاء طاهر، فيطل علينا بإحدي عادات قري الصعيد، التي دأبت علي الحفاظ علي تقاليدها منذ القدم في توزيع الهدايا والكعك والبسكويت علي المعارف والأقرباء صبيحة أول أيام العيد. فيقول في الرواية: "كانت تحتفظ بعناية بتلك العلب المستطيلة البيضاء وتخزنها علي مدار السنة، كلما اشتري أحدنا حذاء جديدا، وفي أواخر رمضان تخرجها وتنفضها من التراب استعدادا لاستخدامها، وفي فجر العيد تكون قد رصت في داخلها أقراص الكعك المرشوش بالسكر، تعلوه طبقة رقيقة من الغريبة المميزة بنعومتها وبحبة القرنفل المرشوقة بوسطها، ثم تطوي عليه الورق الشفاف، وتضع عليه غطاء العلبة الكرتون، وتبدأ في العد: علبة خالتك صفية ... علبة جدك أبو رحاب... علبة خالك عبد الرحيم .... وعلبة ...وعلبة .... ومن نسيت أيضا؟ ولم أكن أهتم كثيرا لمن نسيتهم أمي ...فقد كان تذكرها لأحد في هذا الوقت من صباح العيد، يعني أن تحمل إحدي أخواتي صينية الكعك لإحدي الأقارب البعيدين، أما الهدايا الموضوعة في العلب البيضاء والسهلة الإمساك باليد، فقد كان امتيازا مقصورا علي باعتباري رجلا". وفي رواية "دار الغواية" للكاتب الشاب عمرو عاشور، يحاول إبراز طقس مهم آخر من طقوس عيد الفطر، التي واظبت أم البطل عليها، وهي صلاة العيد في مسجد "مصطفي محمود"، وتعليم صغيرها الذي ينبهر من الجموع ويفرح لسبب لا يعرفه ترديد التكبيرات قبل صلاة العيد مع الجميع. فيقول: "تجلس بجوار الشباك وتنظر إلي الشوارع الجميلة الواسعة، يبدو لك العالم اليوم واسعا وجميلا وسعيدا، تردد مع الأصوات التي تعلو شيئا فشيئا، (نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده)، لا تعرف معني تلك الكلمات، ولكنك تهز رأسك للأسفل وللأعلي ولا تكف عن ترديدها، حتي تطلب منك أمك أن تنزل من السيارة، تنبهر من هذا العدد الهائل من الناس الواقفين أمام المسجد الكبير، تنتابك فرحة عارمة ولا تفارق الابتسامة شفتيك". ويكمل: "تخرجان من دورة المياه، وتصعدان السلالم الحديدية الضيقة، في الطابق العلوي يوجد نساء كثيرات وأطفال أصغر منك في السن والحجم، والصوت يعلو ويصدح في كل مكان (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله .....)". أما الشعراء فكان لهم طريقتهم الأكثر رهافة وخصوصية نظرا لرقة وبلاغة أدواتهم الشعرية، ومن ذلك قول ابن الرومي: ولما انقضي شهر الصيام بفضله *** تجلَّي هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ كحاحبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه *** يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ وقول ابن المعتز: أهلاً بفِطْرٍ قد أضاء هلالُه **** فالآنَ فاغْدُ علي الصِّحاب وبَكِّرِ وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ *** قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ وقد يغفل كثير من المسلمين عن المعني الحقيقي للعيد، فيظنونه في لبس الجديد واللهو واللعب فقط، وإن كان ذلك من سمات العيد ولكن هناك أموراً أخري ينبه إليها أبو إسحاق الألبيري حول حقيقة معني العيد؛ فيقول: ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك *** لا أن تجرَّ به مستكبرًا حللك كم من جديد ثيابٍ دينه خلق *** تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك ومن مرقع الأطمار ذي ورع *** بكت عليه السما والأرض حين هلك وهو قول ينم عن عمق معرفة بحقيقة العيد، وكونه طاعة لله وليس مدعاة للغرور والتكبر. ويستغل الشاعر محمد الأسمر فرصة العيد ليذكر بالخير والحث علي الصدقة فيه تخفيفًا من معاناة الفقراء والمعوزين في يوم العيد؛ فيقول: هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به *** وبذلك الخير فيه خير ما صنعا أيامه موسم للبر تزرعه *** وعند ربي يخبي المرء ما زرعا فتعهدوا الناس فيه: من أضر به *** ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا وبددوا عن ذوي القربي شجونهم *** دعا الإله لهذا والرسول معا واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم *** بدرًا رآه ظلام الليل فانقشعا وهذا الشاعر الجمبلاطي يستبشر خيرًا بقدوم العيد، ويأمل أن يكون فرصة لمساعدة الفقراء والمكروبين حين يقول: طاف البشير بنا مذ أقبل العيد *** فالبشر مرتقب والبذل محمود يا عيد كل فقير هز راحته *** شوقًا وكل غني هزه الجود والعيد ما هو إلا تعبير عن السعادة التي تغمر الصائمين بنعمة الله التي أنعمها عليهم باكتمال صيام الشهر الفضيل يقول محمد بن سعد المشعان: والعيد أقبل مزهوًا بطلعته *** كأنه فارس في حلة رفلا والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم *** كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا فليهنأ الصائم المنهي تعبده *** بمقدم العيد إن الصوم قد كملا ولا يخلو العيد في كثير من الأحيان من منغصات قد يتعرض لها الشاعر خاصة في نفسه أو أهله وقد عبر عن ذلك كثير من الشعراء في قصائد خلدها التاريخ، يكاد من يقرؤها يشارك الشاعر معاناته ويلامس صوره وأحاسيسه، ولعل أشهر ما قيل في ذلك دالية المتنبي في وصف حاله بمصر والتي يقول في مطلعها: عيدٌ بأيةِ حالٍ جِئْتَ يا عيدُ *** بما مضي أم بأمْرٍ فيكَ تجديدُ أمّا الأحِبة فالبيداءُ دونَهم *** فليت دونك بيدًا دونهم بيدُ