هل جاء وقت الحصاد؟ يبدو أن الأمر كذلك، ولعل المتابع لما نطرحه عبر كل منافذ الطرح المتاحة من صحف وفضائيات ومطبوعات ومؤتمرات وبيانات سواء علي المستوي الشخصي أو عبر تجمع التيار العلماني، يلحظ إلحاحنا علي طلب فتح قنوات الاتصال مع القيادة الكنسية وقيام حوار موضوعي حول الأزمات المتوالية التي تلم بالكنيسة ومن ثم الأقباط، ولعله يلحظ أن أحدًا لا يقرأ ولا يبالي إن قرأ وإن سمع، بل راحوا يطلقون قنابل دخان تشوه صورتنا وتشكك في ايماننا ومعهم صبية يروجون لاتهامات ساذجة عفا عليها الزمن وتفتقر للمصداقية. ولأن المقدمات الخاطئة تؤدي الي نتائج كارثية، كان للانفراد بالقرار ورفض مشورة الحكماء من رفقاء الدرب الذين شاركوهم سنوات البعث واستنهاض الكنيسة واستبدالهم بشباب غر لم يكتمل نضوجهم وجدوا أنفسهم قبل سنوات الاكتمال في مواقع قيادية تستوجب توفر حكمة الشيوخ وعلم العلماء وأبوة المختبرين، توالت الأزمات وتوالت معها الحلول العشوائية التي احتلت فيها الذات موقع الصدارة، فكانت النتيجة أن (الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست- حز 18: 2)، لأنهم لم يلتفتوا الي قول الحكيم (حيث لا تدبير يسقط الشعب أما الخلاص فبكثرة المشيرين- ام 11: 14)، ولا أعرف لماذا تلح علي تجربة ابن سليمان الحكيم في القديم حين رفض مشورة الشيوخ وأمال أذنه للشباب وقال لشعبه (وكلمهم حسب مشورة الأحداث قائلا أبي ثقل نيركم وأنا أُزيد علي نيركم، أبي أدبكم بالسياط وأنا اؤدبكم بالعقارب (مل 12: 14)، فكان انقسام المملكة المروع والفادح. وأمامنا واحدة من تلك الأزمات التي أديرت بعشوائية وتكاد تسلمنا إلي هوة عميقة سيكون الخروج منها باهظ الكلفة، أزمة زوجة كاهن دير مواس بالمنيا، في احتفائها وما أثير حولها في مجتمع يغط في التعتيم ولا يتعامل مع الشفافية ولا يقرها، وكنا نتصور أن منظومة الإدارة الكنسية بمنأي عن التعتيم، فإذا بها تكرسه وتعيشه في هذه الأزمة تحديداً، إذ كنا نتصور أن يخرج علينا منها بيان رسمي يقول بتطورات الحادثة وما آلت إليه، خاصة بعد أن اصبحت حديث الرأي العام، وما أثير حول اللغط الدائر حول إسلامها واعادتها قسرا وتسليمها للكنيسة التي قامت بإخفائها والتحفظ عليها، وتدور دوامة الحدث بين مؤيد ومكذب، لكن يحدث عكس التوقع المنطقي إذ تلوذ الكنيسة بصمت لا يمت للحكمة بصلة، لتدفع بمزيد من الزيت علي النار وتضع مزيدًا من الملح علي الجرح. وقد يكون من اللازم أن نقول إن المواطنة كنسق حياة لا تتجزأ، والمطالبة بحرية الاعتقاد ليست مطلباً قبطيا حصراً بل هي مطلب مصري عام، يستوي في هذا من يتحول إلي المسيحية ومن يتحول إلي الإسلام، وأن الوصاية علي خيارات ومعتقدات البشر ليست من صلاحيات أية مؤسسة أو جماعة، وليس هناك ما يمكن قبوله من مبررات تقضي باحتجاز أي إنسان بغير الطرق والقواعد التي نظمها القانون، وليس فيها بالقطع أن تقوم الكنيسة بالاحتجاز حتي لو تم تحت مسميات غير حقيقية التفافاً، وهنا تتجاوز المسألة جدران الكنيسة لتستقر في مكتب النائب العام، ليس فقط عن أزمة وعدم قانونية الاحتجاز بل أيضاً عن ملابسات القصة بجملتها ولماذا التعتيم؟ ولماذا الإنكار؟ ولماذا ولماذا ولماذا؟! أما الكنيسة -ممثلة في شخص قداسة البابا- فهي مطالبة باعادة النظر في إدارتها للأزمات، وفي نسق غلق الأبواب، وفي الانفراد بالقرار، وفي منظومة تدبيرها بجملتها، وفي تعاطيها للسياسة، وفي العصف بالمختلفين، ولعلها تدرك في النهاية أن للأزمات حلولاً أخري، أكثر أمناً وأكثر اتساقاً مع طبيعة الكنيسة كمرفأ للسلام والمحبة والأبوة بحسب الإنجيل والآباء.