علي قدر تشجيع الإسلام علي الحوار ودعوته إليه في كثير من المناسبات، وفي عديد من السياقات، فإنه نهي عن الجدال والمجادلة، وجعلهما نقيض الإيمان في كثير من الأحوال .. فقد دعا المولي سبحانه وتعالي إلي حسن الحوار مع الآخرين " وقولوا للناس حسناً"، " أدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" .. والحوار من حيث اللغة هو أسلوب يهدف إلي استجلاء الحقيقة وتوضيحها، أما " الجدال" فيهدف إلي تخطئة الآخر، وإقامة الدليل علي الباطل.. فكل طرف من أطراف الجدال يحاول إثبات أن الطرف الآخر علي خطأ، وأنه علي صواب .. هو إذاً نوع من الصراع ونوع من إثبات القوة وليس هدفه الوصول إلي الحقيقة. وقد نهي الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم عن الجدال والمراء ولو كان الشخص علي حق، وأشار إلي أنه " إذا غضب الله علي قوم أكثر جدالهم وأقل أعمالهم" ، وقال : « أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ». وفي المجادلة الشهيرة بين أبي الأنبياء إبراهيم والنمرود، أشار إبراهيم عليه السلام إلي أن الله يحيي ويميت، فرد النمرود بأنه يستطيع أيضاً أن يحيي ويميت، وأمر بإحضار عشرة رجال من الذين حق عليهم الموت، فأمر بإطلاق سراحهم، وأمر بالقبض علي عشرة رجال لم يرتكبوا أي ذنب وأمر بإعدامهم، وهكذا أحيا وأمات .. لم يستسلم إبراهيم إلي هذا الجدال، وإنما أشار إلي موضوع آخر، وقال له " فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب، فبهت الذي كفر". وعلي الرغم من وضوح الفرق بين الحوار والمجادلة، وبين النقاش والمراء، فإن المشاهد حالياً أن الناس يستمتعون بالجدل، ويحبون الحوار الذي ينتج عنه "تقطيع الهدوم" .. وكلما كان الحوار عنيفاً،وكان الصراع محتدماً بين الأطراف، قيل إن الحوار ممتع وناجح .. ولعل أبرز نماذج المجادلات في هذه الأيام هو ما نشاهده علي شاشات التليفزيون، حيث أحيا مقدمو البرامج تراث السفسطة القديم، وتراث الجدل البيزنطي، إضافة إلي تراثنا البلدي في " صراع الديكة" .. وأصبح الجدل هدفاً في حد ذاته .. فليرحمنا الله .