الزوجة سكن للزوج، وحرث له، وهي شريكة حياته، وربة بيته، وأم أولاده، ومهوي فؤاده، وموضع سره ونجواه، وهي أهم ركن من أركان الأسرة، إذ هي المنجبة للأولاد، وعنها يرثون كثيراً من المزايا والصفات، وفي أحضانها تتكون عواطف الطفل، وتتربي ملكاته ويتلقي لغته، ويكتسب كثيراً من تقاليده وعاداته، ويتعرف علي دينه، ويتعود السلوك الاجتماعي، من أجل هذا عني الإسلام باختيار الزوجة الصالحة، وجعلها خير متاع ينبغي التطلع إليه والحرص عليه. وليس الصلاح إلا المحافظة علي الدين، والتمسك بالفضائل، ورعاية حق الزوج، وحماية الأبناء، فهذا هو الذي ينبغي مراعاته،وأما ما عدا ذلك من مظاهر الدنيا، فهو مما زهد فيه الإسلام ونهي عنه إذا كان مجرداً من معاني الخير والفضل والصلاح، وكثيراً ما يتطلع الناس إلي المال الكثير، أو الجمال الفاتن، أو الجاه العريض، أو النسب، أو إلي ما بعد من شرف الآباء، غير ملاحظين كمال النفوس وحسن التربية، فتكون ثمرة الزواج مرة، وتنتهي بنتائج ضارة. فأياً ما كانت المقاصد في شأن الزواج فقد بينها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح بقوله: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالمرأة الصالحة لا مانع أن تكون جميلة مطيعة بارة وأمينة فكما قال صلي الله عليه وسلم - (خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك). ويخطئ بعض الدعاة والخطباء حينما يزهدون الشباب أو يحرمون عليهم البحث عن المرأة الجميلة أو المرأة الثرية أو ذات الحسب والنسب ويرددون أحاديث غير صحيحة تنافي فطرة الإنسان وما جبل عليه من حب الحسن والجمال وطلب الجاه والشرف وكذلك حب المال فكل ذلك في إطاره الشرعي المباح من طبيعة الفطرة السليمة والقول بضده ينافي الفطرة كما ينافي نص الحديث حينما قال تنكح المرأة لأربع إلا أن اعتبار التدين السليم ينبغي أن يكون علي رأس الأولويات في الاختيار بالنسبة للرجل أو المرأة. والحمد لله أن الله جل في علاه جعل التفاوت في الخلق لحكمة بالغة كما جعل التفاوت في الأمزجة وتقدير مواطن الحسن متباينة بين الناس، فما يعتبره البعض قبحاً قد يعتبره البعص حسناً والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فرب رجل ليس بوسيم تقبله امرأة حسناء والعكس صحيح وهذه من آيات الله جل وعلا فالحمد لله أن شرع لنا ما يرفع العنت والكلفة وما يوافق الفطرة وسكون النفس فالإنسان بطبيعته يعشق الجمال ويهواه، ويشعر دائماً في قرارة نفسه بأنه فاقد لشيء من ذاته إذا كان الشيء الجميل بعيداً عنه، فإذا أحرزه واستولي عليه شعر بسكن نفسي، وارتواء عاطفي وسعادة، ولهذا لم يسقط الإسلام الجمال من حسابه عند اختيار الزوجة، ففي الحديث الصحيح: (إن الله جميل يحب الجمال)، وكان جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - يختبئ لمن يريد التزوج بها، ليتمكن من رؤيتها والنظر إلي ما يدعوه إلي الاقتران بها، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يرسل بعض النسوة ليتعرفن بعض ما يخفي من العيوب، فيقول لها: (شمي فمها، شمي إبطيها، انظري إلي عرقوبيها (مؤخرة القدم)، ويستحسن أن تكون الزوجة بكراً، فإن البكر ساذجة لم يسبق لها عهد بالرجال. فيكون التزوج بها أدعي إلي تقوية عقدة النكاح، ويكون حبها لزوجها ألصق بقلبها (فما الحب إلا للحبيب الأول)، لما تزوج جابر بن عبد الله ثيباً قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)، وهذا من حيث الأفضلية وليس من باب الوجوب، ففي بعض الأحيان تكون الثيب أولي عند حالات معينة، ومما ينبغي ملاحظته أن يكون ثمة تقارب بين الزوج والزوجة من حيث السن والمركز الاجتماعي، والمستوي الثقافي والاقتصادي، فإن التقارب في هذه النواحي مما يعين علي دوام العشرة، وبقاء الألفة، هذه بعض المعاني التي أرشد الإسلام إليها، ليتخذها مريدو الزواج نبراساً يستضيئون به، ويسيرون علي هداه، لو أننا لاحظنا هذه المعاني عند اختيارنا للزوجة لامكن أن نجعل من بيوتنا جنة ينعم فيها الصغير، ويسعد بها الزوج وتعد الحياة أبناء صالحين، تحيا بهم أممهم حياة طيبة كريمة، وعلي المرأة ووليها أن يحسن اختيار الزوج لأن الاحتياط في حق المرأة أهم، فالولي الذي يزوج ابنته ظالماً أو فاسقاً أو مبتدعاً أو شارب خمر فقد جني علي دينه وتعرض لسخط الله. وللحديث بقية