في البداية خالص التهنئة بحلول شهر رمضان الكريم أعاده الله علي مصرنا الحبيبة وعلي الأمة الإسلامية باليمن والبركات، والرقي والتقدم والتخلص من كل آفات الشرذمة والتفرق، والجمود والتخلف، والتوجه كلية إلي أخلاقيات وقيم هذا الشهر خالص الروحانية، والذي فرض كفرع من جهاد النفس ضد كل الماديات، البذخ والترف، والإسراف. وغيرها من الأمور التي - من المؤسف والمخجل - باتت تمارس في شهر الصوم، كأنها من طقوسه وشعائره. وأخطر من هذا وذلك ذلك التوظيف المادي المقيت لشهر الروحانيات، حيث نجد من يعمل علي توظيف هذا الشهر الكريم توظيفا سياسيا يبعد بصاحبه عن أخلاقيات وقيم شهر الصوم. وهناك من يحوله إلي «سلعة» لتسويق نفسه، وتغطية آثامه وفساده، نهبه وسلبه، وبحثا عن المزيد من الغني والثراء، وهناك من يستغله في إشاعة العبث والفوضي، تحت اسم «الفن» والفن منه براء. عشرات الموبقات ترتكب في شهر الروحانيات، شهر الصوم وجهاد النفس. ومعًا نفصل بعض مظاهر التوظيف المادي لشهر الروحانيات: 1- ذلك التوظيف السياسي البغيض للشهر الكريم، حيث تتكالب الأحزاب ويتكالب الراغبون في الترشيحات القادمة لمجلس الشعب، في ارتداء ثياب الواعظين، وإظهار اللين والحسن من القول، والتقاء الناس في سهرات رمضان وتوزيع الشنط وإقامة موائد الإفطار والسحور، ليس حبا في أهل الدائرة، وإنما رشوة مقدمة لنيل الأصوات في الانتخابات المقبلة، فبئس ما يفعلون لأنه لوجه الانتخابات لا لوجه الله الكريم. 2- ونصل إلي الكثير من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبري، الذين يقيمون موائد الرحمن، وركوبا للموجة يظهرون تعاطفهم مع الفقراء فيتصدقون عليهم بربح ربما أقل من ساعة من أعمالهم التجارية، ومن المخجل الإعلان عن هذه الصدقات، وعن هذه الموائد، ليقال إن فلان الفلاني يقوم بعمل الخير، وهو في الحقيقة لا يقوم إلا بالإعلان عن نفسه، وتغطية نهبه وسلبه وفساده، ولو كان أمثال هؤلاء يقومون بسداد ما عليهم من ضرائب كاملة، ولو رفعوا مرتبات العاملين في مؤسساتهم، ويقومون بترقية المستوي الإداري لمؤسساتهم، وتدريب العاملين فيها، ولو قاموا بالتبرع بالأعمال الاجتماعية والعامة، وإقامة المستشفيات، وإنشاء المدارس، وكل ما من شأنه النفع العام، نقول لو قاموا بهذا بدلا من تلك الصدقات وموائد الرحمن، وتركيب المكيفات في المساجد، لاستطاعوا أن يكونوا بالفعل من العاملين علي ما فيه مصلحة الوطن، ولكان لهم دورهم الاجتماعي كما ينبغي أن يكون، الذي يفرضه عليهم الواجب الوطني. 3- ويصل التوظيف المادي لشهر الروحانيات إلي مداه في تلك المسلسلات والفضائيات والأجور الفلكية، وهي في الغالب -كما تعودنا- مسلسلات لا تستهدف الارتقاء بالذوق العام وعمليات التثقيف وتشكيل الوعي الصحيح، وإنما منها لمجرد التواجد، ومنها للتشهير بمصر، ومنها ما هو للتزييف الفردي، والاجتماعي والتاريخي، اللهم إلا فيما شذ منها وندر وتشكل الإعلانات التي تتخلل هذه المسلسلات، مصدرا للثراء وألغي والمزيد من الربح. عشرات الموبقات والمظاهر المادية التي نراها في شهر الصوم وتتنافي مع قيمه وأخلاقياته، وما يفرضه من سلوكيات وفي المجمل تدخل هذه فيما يشكل الكارثة التي تعاني منها الأمة الإسلامية جمودا وتخلفا، نهبا وسلبا وفسادا، والمحصلة لمزيد من التخلف الذي يرتكب باسم الإسلام، والإسلام منه براء والله من وراء القصد.