من الملاحظ أنه في بداية شهر رمضان من كل عام تمتلئ الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتليفزيونية بالدراسات الدينية والتأملات الروحية مع زيادة جرعات برامج الفقه والفتوي.. إلخ وبالطبع كل هذا مع البرامج الترفيهية، وفي كل عام أيضًا لا أجد ضمن هذه البرامج دراسات جادة عن الموقف الديني من تحديات العصر التي تطرح علي مجتمعنا رضينا أم لم نرض، فالحديث عن العصر والمستقبل لا يمكن التوقف عنه لأنه حديث العالم ولأنه حديث الوجود أي أن وجودنا وتقدمنا يتناسب طرديا وعكسيا مع وعينا بعصرنا وعدم وعينا به، وكلما كان الفكر الديني واعيا بالعصر كنا قادرين علي اللحاق به والتفاعل معه وكلما ضعف وعينا حدث العكس وضاع وجودنا وتأثيرنا، فالعصر الذي نعيشه كائن حي حال بيننا في الحاضر، وهو له اليد العليا علي الماضي والمستقبل، فالحاضر هو العصر الذي يعيش الماضي والمستقبل في لحظة زمنية واحدة وهو دائمًا الذي يختار الدول والجماعات والأفراد الذين سوف يصطحبهم ويصطحبونه إلي المستقبل، ويختار أيضًا الدول والجماعات والأفراد الذين سوف يصطحبهم ويصطحبونه إلي المستقبل، ويختار أيضًا الدول والجماعات والأفراد الذين يتركهم من خلفه يتحدثون عن أمجاد الماضي ويعيشون حاضرهم ومستقبلهم ووجودهم إلي الخلف فلا يرون إلا الفردوس المفقود والسؤال الذي يجب أن يجيب عليه كل مفكر ديني ومؤسسة دينية وبرامج ومقالات دينية مطروحة هو كيف يتواءم الفكر الديني مع معطيات العصر وتحدياته بكل ما يموج من حيوية سواء عولمة أو حداثة أو ما بعد الحداثة أو حقوق الإنسان أو السلام العالمي أو الديمقراطية.. إلخ وكيف يكون للفكر الديني حضوره وتأثيره الواضح في هذه الأمور وسوف اختار أربعة تحديات تواجه الفكر الديني اليوم. أولاً: تحدي التغيير وهو ما يطلق عليه اليوم مصطلح جرأة التغيير وهو المطلوب الآن من معظم دول العالم وما يهمنا هنا أن المشكلة المزمنة هي أن الثبات أسهل كثيرًا من التغير فالثبات يعطي إحساسًا بالأمان بينما التغير مغامرة واختلاف مع الغالبية من المفكرين التقليديين ثم أن الثبات له تبريراته ومنطقه وأساليبه وأخيرا يضعنا الثبات كمفكرين دينيين ننتمي إلي العالم الثالث في موقف الخاسر دائما فالعالم يتحرك حولنا ونحن إن لم نتغير سوف نتراجع وعلي المفكرين الدينيين المحدثين أن يتبنوا فقه التغيير فالكتب المقدسة تحت دائمًا علي الاجتهاد وتتحدث عن تغيير الأزمنة والأوقات وأن هذا التغيير لا يتوقف فلا يمكن أن تصل جماعة من الجماعات إلي القول بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان بل إن ظهور الأديان ذاته هو دليل علي عدم الثبات علي ما سبق فالأديان جاءت لتغيير المجتمعات والنصوص الدينية التي بين أيدينا مسئولية فقهاء كل عصر لينقلوها إلي عصورهم كعامل ديناميكي للتغيير للأفضل وليس كعامل جمود وقتل لكل إبداع فالنصوص الدينية تحتوي علي إبداعات لا نهائية تصلح لكل زمان ومكان بشرط أن مفكري الزمان والمكان يكونون قادرين علي نقلها بلغة وسياق العصر وديناميكيته لتتوافق مع العصر ولتنقله إلي المستقبل ولابد أن يضع فقه التغيير هذا آلية للتغير، فالتغيير لا يمكن بإلغاء القديم ولكن تقييمه وإلغاء الكثير منه وهو ما يسمي بجرأة التغيير كما أسلفنا فالتخلف الذي يعيش فيه مجتمع من المجتمعات يأتي نتيجة الوقوف عند مرحلة معينة علي أنها العصر الذهبي ويفقد المرونة الفعلية التي من خلالها يخرج من هذه المرحلة الذهبية التي تليها بدروس تحول المجتمع المعاصر إلي مرحلة ذهبية راهنة وعدم اتساق الفكر الديني الحالي مع العولمة والعقلانية وحقوق الإنسان (المرأة والطفل) والمساواة والمواطنة والديمقراطية يعني فشل المفكرين الدينيين في مهمتهم وعدم قدرتهم علي قبول التحدي أما التحديات فلها حديث آخر.