قبل كل شيء، إن المحافظة علي الاستقرار والأمن والسلم الأهلي في لبنان مصلحة عربية لا أكثر ولا أقلّ.. ولذلك، ليس في مصلحة لبنان المزايدة علي أحد وليس في مصلحة أي طرف إقليمي المزايدة علي لبنان. يدرك العرب هذه المعادلة وهم يساعدون حاليا في جعل اللبنانيين يستوعبونها حرصا علي بلدهم ومستقبل ابنائهم. ولذلك كانت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبيروت يرافقه الرئيس بشار الأسد. ولذلك أيضا كانت زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ترافقه عقيلته الشيخة موزة التي جاءت مباشرة بعد مغادرة العاهل السعودي والرئيس السوري العاصمة اللبنانية. يبدو واضحا أن هناك شعورا عربيا بخطورة الوضع في لبنان وبضرورة لملمته في اسرع ما يمكن. وهذا ليس عائدا إلي الشعور بأن لبنان بلد مهم للعرب من زاوية أنه يقدم صورة حضارية عنهم بفضل العيش المشترك بين طوائف ومذاهب مختلفة فحسب، بل لأن الاستقرار اللبناني بات جزءا لا يتجزأ من الاستقرار الإقليمي. هل هناك طرف عربي مستعد في الوقت الراهن للمجازفة باي مساس بالاستقرار في لبنان، خصوصا أن أي صدام داخلي سيتخذ من دون أدني شك طابعا مذهبيا؟ الاهم من ذلك، هل هناك ما يضمن أن تبقي أي مواجهة بين لبنان وإسرائيل وحتي بين ميليشيا «حزب الله» وإسرائيل في إطار محصور والا تتحول إلي حرب يشارك فيها غير طرف إقليمي؟ من هذا المنطلق، لا مفرّ من التساؤل عمّا يمكن عمله لتفادي أي تدهور في لبنان؟ الجواب بكل بساطة أن في استطاعة لبنان اتخاذ سلسلة من الخطوات تصب في تكريس الاستقرار. هناك قبل أي شيء آخر القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صيف العام 2006 والذي يفترض في لبنان المحافظة عليه. تأتي بعد ذلك المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وهي محكمة قامت بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن أيضا ولا هدف لها سوي إقرار العدالة ووقف مسلسل الاغتيالات الذي يعصف بلبنان وكشف حقيقة الجرائم التي ذهب ضحيتها منذ العام 1977، تاريخ اغتيال كمال جنبلاط، أحد كبار رجالات البلد. ليس طبيعيا السعي إلي النيل من القرار 1701. درست كل كلمة في القرار، الذي اتخذ في وقت كانت دولة قطر تمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، بدقة متناهية. شكل القرار بداية مرحلة في لبنان نظرا إلي أنه سعي إلي تحويل الجنوب منطقة سلام بدل أن يكون مجرد «ساحة» تستخدم لتوجيه رسائل من هذا الطرف العربي أو غير العربي أو ذاك إلي إسرائيل من دون أي أخذ في الاعتبار لمصلحة أهل الجنوب الذين عانوا الأمرّين منذ تخلي الدولة اللبنانية عن سيادتها علي تلك المنطقة في العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم مع منظمة التحرير الفلسطينية. تكمن اهمية القرار 1701 في أنه عزز القوة الدولية الموجودة في جنوب لبنان من جهة وسمح بعودة الجيش البناني إلي تلك المنطقة العزيزة علي قلب كل لبناني من جهة أخري وذلك بعد غياب استمر نحو ثلاثة عقود. من واجب لبنان حكومة وشعبا المحافظة علي القرار 1701 برموش العين نظرا إلي أن القرار وسيلة لمنع أي اعتداءات إسرائيلية فضلا عن أنه يتيح لأهل الجنوب إعادة بناء بلداتهم وقراهم ومنازلهم واستغلال الثروات التي في المنطقة بحماية الجيش اللبناني الذي اظهر أخيرا مدي حرصه علي الدفاع عن كل شبر من أرض الوطن الصغير. نعم هناك خريطة طريق للمحافظة علي الاستقرار في لبنان. البداية تكمن في الامتناع عن تحويل الجنوب صندوق بريد لأي كان وفي التزام قواعد الاشتباك التي حددها القرار 1701. المهم تفادي الدخول في لعبة التذاكي علي المجتمع الدولي الذي يعرف تماما اهمية المحافظة علي الاستقرار في جنوب لبنان. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت هناك قوات دولية معززة في المنطقة. تضم هذه القوات بين ما تضم كتيبة تركية. هل أرسلت تركيا جنودا إلي جنوب لبنان لو لم تكن علي معرفة مسبقة بما علي المحك وباهمية ايجاد وسيلة للحؤول دون اندلاع حرب جديدة انطلاقا من الجنوب؟ يتمثّل الجزء الثاني من خريطة الطريق بترك المحكمة الدولية تقوم بما عليها القيام به بعيدا عن التساؤلات والاتهامات. لبنان في حاجة إلي المحكمة. لبنان في حاجة إلي معرفة من ارتكب الجرائم التي ذهب ضحيتها رفيق الحريري ورفاقه ومجموعة من أشرف اللبنانيين العرب علي رأسهم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميل وأنطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد والشهداء الاحياء مروان حمادة ومي شدياق وإلياس المرّ. لن تستقيم الامور في لبنان في حال التعرض للمحكمة التي تعرف تماما ما المطلوب منها. المحكمة وحدها تحدد ما اذا كان هناك ما يسمي «شهود زور» وما إذا كان هناك ما يستدعي ملاحقة هؤلاء. يستطيع العرب خدمة لبنان عن طريق ابعاده عن الحرب التي تبدو المنطقة في انتظارها. لا حاجة إلي أي تأويلات من أي نوع كان، لا بالنسبة إلي القرار 1701 ولا بالنسبة إلي المحكمة. لامفر من ترك الجيش اللبناني يؤدي مهماته في الجنوب بعيدًا عن أي التفاف من أي نوع كان علي القرار 1701 . ولا بدّ في الوقت ذاته من ترك المحكمة وشأنها. في ذلك مصلحة عربية نظرا إلي أن أي شرارة تنطلق من لبنان سيتجاوز حريقها حدود الوطن الصغير. هل من مصلحة عربية في حرائق إقليمية... تنطلق من الوطن الصغير؟