جريمة شنعاء اهتزت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية، في التاسع من أغسطس سنة 1969، فقد اقتحم تشارلز مانسون، زعيم جماعة الهيبز، وثلة من رفاقه وتابعيه، قصر الممثلة العالمية شارون تيت، الحامل في شهرها الأخير، وقتلوها وزوجها المخرج السينمائي وبعض أصدقائها، بل انهم مثلوا بالجثث وتفننوا في التشويق السادي، ثم غادروا موقنين أنهم أدوا رسالتهم! قبل ذلك بسنوات، كانت التفاعلات المعقدة داخل المجتمع الأمريكي تقود إلي ظهور حركات احتجاجية غير تقليدية، تعبر عن استيائها وتذمرها بطرق شاذة، واستطاع تيار الهيبز أن يستقطب الكثيرين إلي عالم مختلف، قوامه إدمان المخدرات، وممارسة الجنس الجماعي والتظاهر ضد الحرب والتمييز العنصري، أما الشعار الأكثر شهرة فهو: كفوا عن الحرب ومارسوا الحب. ما العلاقة بين الشعار وجريمة القتل الدنيئة؟!، وكيف تترجم المقولة الفضفاضة إلي أفعال شيطانية تتجاوز لعنة الحرب إلي بشاعة القتل المجاني العبثي؟!. لوثة أصابت الجهاز المناعي للمجتمع الأمريكي، وترجمت مشاعر التخبط والضياع وافتقاد الهوية، فقد أصبح كل شيء مثل أي شيء، وتهاوت القيم والمبادئ والمعايير والأخلاق. من يقرأ مذكرات مانسون ويوميات صديقته ساتي، ويتوقف أمام تحليلهما الكاره للمجتمع الذي ينتميان إليه، ورفضهما لمعطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يدرك - بلا عناء - حقيقة أن المسألة ليست في انفلات مجنون لبعض الشباب، لكنها كامنة في بنية النظام الذي يعاني من خلل فادح، وجاءت الحرب الفيتنامية لتضفي علي الخريطة مزيدا من التعقيد الكئيب، وتفرز سخطا متصاعدا عبر تجليات مختلفة. بعض الذين يعانون ويكابدون في المجتمعات المتخلفة، يتوهمون أن الجنة «هناك»، ويجهلون أن كل وأي مجتمع إنساني لابد أن يواجه الهموم والتمزقات والانحرافات، لكن الفارق بين نظام ونظام يتمثل في منهج التعامل وآليات التفاعل، ولا بديل عن التمسك بالديمقراطية التي تصحح أخطاءها، أما الشمولية المتسلطة فإنها كفيلة بتحويل المرض المحدود العابر إلي سرطان متوحش يلتهم، بلا رحمة، خلايا الجسد والعقل والروح.