تحقيق - محمود جودة ومحمود فاضل وشيماء عدلي وعبدالوكيل محمد استكمالا لحملة «روزاليوسف» التي بدأت منذ شهور ضد زواج القاصرات بقري عدد من المحافظات كالغربية والسادس من أكتوبر والتي كان لها بالغ الأثر في لفت انتباه الجهات التنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني لحجم الكارثة نرصد آراء خبراء الاجتماع والنفس وعلماء الدين والحقوقيين حول أبعاد المشكلة والأضرار التي تلحق بالمجتمع من جراء تغلغلها وانتشارها بالقري والمناطق الشعبية. كما نستند إلي بعض الدراسات التي قامت بإلقاء الضوء علي الظاهرة التي تتزايد بشكل مخيف حتي وصل عدد بلاغات زواج القاصرات إلي 242 بلاغاً خلال العام الماضي فقط.
خبراء : الأباء يتاجرون ببناتهم .. وإحصاءات "الأسرة والسكان" لا تعبر عن أعداد الزيجات غير القانونية أجمع خبراء علم النفس والاجتماع والقانون وعلماء الدين ورؤساء الجمعيات والمنظمات الحقوقية في مصر علي تجريم زواج الفتيات القاصرات سواء إلي مصريين أو عرب، مؤكدين أن تلك الظاهرة هي نتائج لعادات وتقاليد وقيم سلبية أفرزها المجتمع نتيجة ارتفاع معدلات الفقر فيه. وانتقدوا بيع الآباء لبناتهم مقابل المال بحجة الفقر واحتياجهم إليه لتربية الأولاد، واعتبروا أن تدني الثقافة وكثرة عدد الأولاد أهم أسباب انتشار زواج القاصرات في مصر. الدكتورة سوسن فايد - أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - رفضت الربط بين ارتفاع نسبة زواج القاصرات بالريف المصري أو المناطق الشعبية علي اطلاق الأمر خاصة أن هناك متغيرات معاصرة طرأت علي المجتمع المصري في الأعوام الأخيرة أهمها زيادة الضغوط الحياتية والاقتصادية، وارتفاع معدلات الفقر. وأشارت إلي أن الآباء يرجون رفع المسئولية عنهم نتيجة العوذ والحاجة وغلاء المعيشة وزيادة الأولاد خاصة إذا كانت الزيجة المنشودة لفتياتهم من أحد الأثرياء، الأمر الذي أصبح فيه نوع من الإتجار بالبشر لأن الأب هنا يبيع ابنته من أجل المقابل المادي. .. ولفتت إلي انتشار ذلك في الأوساط الشعبية التي يقل فيها التعليم والأمية الثقافية ولا يري الأبعاد المستقبلية وتكون نظرة المقيمين فيها قاصرة. .. وقالت«فايد»: إن حضور العرب والخليجيين من بلادهم للزواج من الفتيات المصريات بعقود زواج عرفية أو غيرها من أجل قضاء أوقات سعيدة مقابل أموال كثيرة يدفعونها لأهالي الفتيات.. كل ذلك يعتبر اهداراً وإهانة لكرامة المواطن المصري. وعلقت الدكتورة هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق علي ما نشر مؤخراً حول أعداد البلاغات التي استقبلها خط المشورة الأسرية بوزارة الأسرة والسكان معتبرة أنه ضئيل جداً ولا يعبر عن النسبة الحقيقية لزواج القاصرات، خاصة أن الغالبية يلجئون إلي الزواج العرفي، حتي تبلغ الطفلة السن القانونية وظهرت طريقة التسنين بعد اخفاء شهادات الميلاد، مضيفة أن أهم أسباب زواج القاصرات، هو التصرفات الخاطئة لأولياء الأمور الذين يرون في زواج فتياتهم القصر حماية لهن فيبيعوهن لسماسرة التزويج بورقة رسمية، تعرف ب«التسنين» بهدف الحصول علي أموال باهظة. وتنتقد زكريا عدم رصد وتوثيق هذه الحالات المخالفة للقانون، أو وجود وسائل كشف لتواريخ الميلاد الحقيقية، مطالبة بضرورة ضبط المخالفين للقانون وإيجاد تعاون بين أجهزة الدولة والمواطنين في هذه المناطق ورصد وتوثيق حالات زواج القاصرات ومواجهتها لأن هناك مواطنين فقراء في مناطق مهمشة بعيدة عن الرقابة. أشارت د. سهير عبد العزيز أستاذ علم النفس والاجتماع جامعة الأزهر إلي أن السبب الحقيقي وراء انتشار زواج القاصرات بعرب هو انتشار ثقافة الاستهلاك، والطموح لمكاسب وهمية، وانتشار لثقافة القطيع، بجانب اختفاء دور رجل الدين الحقيقي. وأثبتت الأبحاث أن الإنسان حالياً منساق لمن حوله من جيران في ملبس، شراب، إنفاق، وكل ما يحدث حالياً هو علاج لعرض وليس للمرض. وعن أهم الأمراض النفسية والعصبية التي تصيب القاصرات أشارت إلي أنهن الأكثر عرضة للاهتزاز النفسي والأمراض السلوكية، بجانب تهتك في الأجزاء التناسلية، بجانب أن 60% من وفيات الأطفال نظراً لصغر سن الأم وجهلها. وأكدت إيمان بيبرس رئيس جمعية النهوض بالمرأة أن الفقر المدقع وانخفاض نسب التعليم والزيادة السكانية، وتدني مستوي ثقافة المجتمع وراء انتشار ظاهرة زواج القاصرات. مشيرة إلي أن التعليم ليس له دور في تغيير ثقافة المجتمع الحالي بسبب تأخر سن الزواج وعدم وجود فرص عمل مناسبة في النهاية وتدني دخل الأسرة، وهو ما أدي إلي تغيير فكر الأسر الفقيرة، خاصة في المناطق الريفية والشعبية التي تحكمها أعراف وتقاليد معينة في زواج فتياتهم، فعندما تستكمل الفتاة، تعليمها ويصل عمرها فوق 26 عاماً نجد الإقبال علي الارتباط بها ضعيفاً أما الفتاة الريفية فيجب عليها الزواج قبل أن تصل لسن 18 عام كما أكدت أن ثقافة المأذونين الذين يقومون بذلك ضعيفة، ومتخلفة فهم يرجعون إلي تبريرات دينية من وجهة نظرهم ولا يهتمون بالقوانين. ونؤكد أن عقد قران القاصرات يدر ربحاً مرتفعاً علي المأذونين بعكس الزواج العادي، الذي تدفع له الرسوم العادية فلابد من تغيير فكر المأذونين الخاطئ وإقناعهم بخطورة ما يقومون به. وتضيف: لا توجد أرقام أو حصر دقيق حيال نسب زيادة زواج القاصرات. إلا أن المؤشرات تؤكد ارتفاعها، ومن أكثر المناطق التي تنتشر بها هذه الظاهرة هي الحوامدية والبدرشين في محافظة 6 أكتوبر، وعزبة الوالدة والعرب بحلوان والدويقة ومنشية ناصر ودار السلام بالقاهرة، ومحافظة الفيوموبني سويف. وقالت: هناك برامج توعية تقوم بها جمعية النهوض بالمرأة، بالتعاون مع وزارة الأسرة والسكان، من خلال توعية سكان تلك المناطق وبعمل ندوات وتشرح خطورة ذلك وعرض أمثلة سابقة لفتيات تم زواجهن وهن قاصرات، والنتائج السلبية اللاتي تعرضن لها. وأشارت إلي أن أهم المحافظات التي حققت بها الجمعية نجاحاً كبيراً هي محافظتا القليوبيةوالغربية. أفادت نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة أن ما يقوم به أولياء الأمور من بيع بناتهم هو تعسف في استخدام الحق، يصل أننا نمنح الأب رخصة ممارسة دعارة لبناته وهذا تلاعب بالشريعة الإسلامية ونحن أمام شبكة إجرامية لا تقل خطورة عن المخدرات تعمل من خلال العلاقات الشخصية ويحتاج الأمر إلي محاسبة الأب أو رفع الولاية عنه، بجانب أن الزواج المتتالي لا يكون فيه عدة مما يتسبب في اختلاط نسب الأطفال، وعلينا الاعتراف بأن القانون غير قادر علي التصدي لهذه الزيجات. وأشارت عزة الجزار مسئول مشروع مناهضة زواج القاصرات أنه لابد من التفريق بين نوعين من ساكني قري زواج القاصرات.. فهناك عائلات أصيلة ترفضها تماماً وأملهم التخلص من هذه العلاقات التي تشوه سمعتهم، وهناك الوافدون من مختلف محافظات مصر ويقطنون هذه القوي حتي يقوموا ببيع بناتهم، وكلهم علي ادراك واتقان أن الهدف هو الربح المالي، فمثلاً هناك فتاة تزوجت 15 يوماً وربحت 15 ألف جنيه، وهناك فتاة 19 عاماً ظلت ترفض هذا النوع من الزواج حتي وصمت بالعانس فقدرت الزواج واتفقت أن مدته شهر في دبي مقابل الربح وهناك فتاة عادت للأسرة بعد 4 أيام من هذا الزواج الصوري وهي منهارة ومضروبة. وأضافت أن هناك انتشاراً للسماسرة في هذه القري الذين يعملون في الخفاء والذين يقوم باختيار الفتيات واقناع ذويهم والاتصال بالعريس، مقابل من 4 إلي 10 آلاف في الزواج الواحد. وهؤلاء السماسرة يتركزون في إمارة رأس الخيمة في الإمارات ويقومون بإرسال الأثرياء العرب إلي القري بعد تحديد العروس والسعر، فضلاً عن انتشار حالياً السماسرة «الاون لاين» والذين يتركزون في الفيوموبني سويف وبدأت بعض الأسر بتهجير بناتهم لهذه القري لتزويجهن. وكشفت أن الأكثر خطورة حالياً هو اختلاط مجموعة من العرب بعدد من الفتيات وإقامة علاقات تبادلية تحت مسمع ومرأي آبائهم، علي الجانب الآخر، حسب قول د. عزة، انتشرت في هذه المناطق أمراض جديدة مسكوت عنها كالأمراض الناتجة عن التواصل الجنسي والايدز ومرض الالتهاب الحليمي، فضلاً عن أمراض نفسية تعاني منها هذه الفتيات من كثرة العلاقات المهينة لأنهن مدركات أنها عملية بيع وأنها سلعة تباع لأي عربي يدفع ثمناً أكبر. وأكدت أن هذه الزيجات الأكثر انتشاراً في الصيف تقوم علي زواج محدد المدة بين العربي والفتاة أثناء إقامته في مصر في الصيف. وأضافت أن الحل يتطلب حملات توعية للأسر من مخاطر هذه الزيجات ولكن بشكل غير مباشر لأنهن رفض الاعتراف أو المواجهة ولذا تم اطلاق حملة «مش للبيع» وتتم مناقشة قضايا الزواج بشكل عام، لكننا نواجه صعوبات مواجهة الثقافة المضادة التي تحاربنا وتنشر أن أهدافنا نشر الفساد وتمويلنا أجنبي ويتم طردنا أكثر من مرة حتي لا نقوم بدورنا ولكن الأمر يتطلب تدخلاً إيجابياً من كل الفئات. كشفت راندة الحلواني - محامية - تعمل في مشروع الاتجار بالفتيات بالحواميدية أن إجراءات الزواج من عربي معقدة في مصر مثل طلب موافقة السفارة، وهذا ما دفع إلي دخول العرب من بوابة مختلفة، فهناك بعض الأثرياء الذين يرسلون مندوبين عنهم لزيارة بيوت القرية ويقوم بتصوير الفتيات فيديو مقابل 50 جنيهاً للفتاة حتي يختار الثري الفتاة التي يريدها، وعادة ما تبدأ من سن 12 عاماً، وهناك من يعتبر الفتاة التي بلغت 16 عاماً عانساً. وتختلف الأسعار وفقاً للمؤهلات الجسدية للفتاة وحالتها الاجتماعية وهناك علاقات تتم داخل منزل الفتاة نفسها أو بفنادق الخمس نجوم. وتعتبر منطقة أم الأمير من أكثر القري انتشاراً للظاهرة بجانب الحوامدية، البدرشين، كرداسة، وأبو النمرس والأزمة أنه بدأ ينتشر في بني سويف والشرقية. وتكشف أن هناك تلاعباً يتم من جانب المحامين لا يدركه أولياء الأمور، وهو القيام بختم عقد الزواج بختم المكتب وهو ليس تسجيلاً للعقد كما يعتقد البعض وغير معترف به ولكن لابد من ختم الشهر العقاري، لأن هذه الاختام لا تمنح الفتاة أي حقوق أو نسب، كذلك مشكلة أن بعض العقود تكتب باسم الشهرة وليس الحقيقي ليضع الفتاة في مهب الريح. د. سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن كلية البنات.. جامعة الأزهر، طالبت بتوقف الأصوات التي تربط بين رفض الزواج المبكر والأجندة الغربية لأن الهدف هو تطبيق الشريعة الإسلامية ولكن تواجهنا إشكالية أن الإسلام لم يحدد سناً بل ربطها بالتكليف والبلوغ وأن الهدف منه الرحمة، السكن، والمودة فهل يتحقق ذلك من زواج طفلة؟ وأكدت أنه لابد من توعية الآباء أن زواج الرسول صلي الله عليه وسلم من السيدة عائشة من باب الخصوصية ولا يعمم، خاصة أن القانون لن يمنع الزواج العرفي والسري بل التوعية بأن التكافؤ العقلي أهم من البدني. أضاف د. عبد الله النجار عضو مجلس البحوث الإسلامية أنه علي الرغم من عدم تحديد سن للزواج في الإسلام، وأن الجيل الماضي اعتاد علي تزويج بناته منذ بلوغهن الحيض، إلا أنني أري أن الوقت المعاصر، وطبيعة الحياة اختلفت، ولا نريد أن نضع خصومة بين الدين والواقع، فقديماً كان الزواج هو الملاذ الوحيد للفتاة، بينما تبدل الحال الآن وأصبحت للفتاة عشرات الفرص من الدراسة، والعمل. وأكد أن سن 18 عاماً غير كاف للفتاة لأنها لن تكون مهيأة لتحمل المسئولية النفسية والصحية.. وأن تقوم بدورها كزوجة عاطفياً، أو كأم، لأننا نفاجأ بأمهات غير مدركات لدورهن أنه ابتداء من سن 20 أو 22 عاماً يعتبر ذلك مناسباً للفتاة. مطالباً شباب هذه المنطقة بجانب رجال الدين بالترصد لهؤلاء العرب الذين يسيئون لسمعة مصر والإبلاغ عن هذه الجريمة لأن ذلك يلوث عرضنا، وهذا ما تسبب أنني كرهت هؤلاء الشيوخ العرب الذين ليست لهم قيمة في بلادهم ولكنهم يشترون بناتنا.