بينما كنت أتابع حفل ختام المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الخامسة علي المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية حضر في مخيلتي العرض القومي المسرحي الغنائي الراقص القادم من الصين، الذي شاهدته منذ فترة قريبة بنفس دار العرض، وكان اسمه «حلم الغرفة الحمراء»، ولم أستطع التخلص من صوره المسرحية المبهجة. ولكن السبب الحقيقي الذي وقف خلف المقارنة بين «حلم الغرفة» الحمراء الصيني وعروض المهرجان القومي المسرح هو تفكيري المتقطع الدائم حول فكرة القومي في المسرح، وهي الفكرة التي وجدتها متجسدة علي أفضل صورة في عرض «حلم الغرفة الحمراء». حيث قام المخرج «زاهو مينج» بتطوير عناصر الفن المسرحي الصيني ذات الأصول القديمة الشعبية شديدة الخصوصية ليضعها في قالب معاصر. وهو في سبيله لذلك قام بما يلي: أولاً: اعتمد علي رواية صينية للكاتب «تساو شيويه تشين» وهي تقوم علي رصد تفاصيل الحياة اليومية لجميع طوائف الشعب خلال فترة حكم أسرة تشينج من 1644 حتي 1912، وفيها نري طقوس احتفالات الزواج، والمراسم الملكية الشرقية والطب والتنجيم والحدائق الرائعة وفنون الرقص والغناء. ثانياً: الاعتماد علي فكرة إنسانية بالغة الرقة وهي الحب عندما يتحطم علي صخرة عناد المجتمع والناس، مع إصرار الشاب والفتاة اللا محدود عليه، وهي فكرة تجعل العرض عاطفياً في طابعه العام قابلاً للنجاح داخل الصين ومفهوماً خارجها فقد استقبله الجمهور استقبالاً جيداً في تورنتو بكندا، ومركز كيندي بنيوريورك، قبل نجاحه بالقاهرة والإسكندرية. ثالثاً: المزج رفيع المستوي بين الفنون الشعبية الموسيقية وأداء الأوركسترا، وكذلك بين الرقص الشعبي وفن الباليه، وهو ما يذكرنا مع فارق كبير في الإمكانيات وقصدية التفكير الفني بالنموذج الجميل الذي أخرجه د. عبد المنعم كامل للأطفال عندما مزج بين فن الباليه والفن الشعبي القومي المصري في رائعة صلاح جاهين وسيد مكاوي «الليلة الكبيرة». إن ما هو فن قومي ممزوج بأحدث التقنيات العالمية المعاصرة وبرؤية إنسانية عامة هو ما نتمناه للفن المسرحي المصري القومي وهو الأمر الذي يمكن أن يضع هوية خاصة للمهرجان القومي للمسرح، تجعل منه سبباً لتوجيه اهتمام المسرحيين للمزج بين الخصوصية المسرحية المصرية ذات الأصل الشعبي والتراثي وتيارات المسرح العالمي، وحتي يصبح مهرجاناً فارقاً عن باقي المهرجانات المتعددة التي تخلو فيما عدا المهرجان التجريبي من صفات مميزة لها، فهي مجموعة مسابقات مسرحية تحتاج إلي إعادة النظر لمنح كل مسابقة منها دورها في دعم الحركة المسرحية. وإذا كان الشباب قد صار هو القاسم المشترك الأعظم في كل تلك المسابقات فالأولي بنا دعمهم بشكل منتظم حتي لا يحصل الوحد منهم علي جائزة تظل معلقة كتاج الشوك علي رأسه تذكره العمر كله بموهبته المبددة، ففيما عدا إصرار المخرج سامح بسيوني فقد اختفي معظم الفائزين في الأعوام الخمسة الماضية. لا شك أن المهرجان يشكل تحفيزاً للحركة المسرحية بما يمنحه من جوائز متنوعة، ولكن الفرق بين المهرجان والمسابقة كبير، فما تنتظره الحركة المسرحية هو بروز علامات مميزة تنتظم في المسار المهني، ولا فراشات لامعة ترقص رقصتها الأخيرة حول الضوء. وإذا كان المسرح المصري قد صار موجات كبيرة من الشباب يندر بروز اسم أحدهم فربما كان دفع تلك الموجات كبيرة العدد الممتلئة بطاقة الشباب نحو العمل علي أفكار جماعية منتظمة تخدم المسرح المصري هو أمراً مفيداً لهم وللجمهور وللفن المسرحي حتي لا تصبح طاقة جماعية مهدرة تسعي نحو التسابق وهي قادمة أصلاً من مسابقات أصغر كالمسرح الجامعي ومسرح الشركات والعمال والهواة وغيرهم. إن تعبير «قومي» هنا هو التعبير الدال بلغة الشرق الأقصي وتجربة الصين في تقديم الفن القومي بلغة عالمية كما حدث في عرض «حلم الغرفة الحمراء» هو حل نموذجي معضلة الموروث. والمستورد التي تشغل الذهنية المسرحية طوال القرن الماضي كله تقريباً في مصر والوطن العربي، فهل يمكن أن نشهد تياراً مسرحياً قومياً يحتوي الطاقة المهدرة للشباب في مصر، ويعطي للمسابقة القومية للمسرح صفة المهرجان ويخدم التيار المسرحي المفقود في مصر ألا وهو المسرح القومي بلغة مسرحية معاصرة؟