كان الشاعر الكبير بشارة الخوري، الذي عرف باسم «الأخطل الصغير» شاعراً فذاً من طراز فريد، وبغيابه في اليوم الأول من أغسطس سنة 1968 ، بعد أن تجاوز الثمانين بعدة أعوام، فقد الشعر العربي عملاقاً لا يجود الزمان بمثله كثيراً، فلعله آخر القامات الشامخة في خريطة الإبداع الشعري التقليدي من حيث الشكل، الجديد المتجدد الطازج بالنظر إلي الرؤية والمضمون والروح الشبابية. يقترن اسم الشاعر الرائد، عند الأغلب الأعم ممن يعرفونه، بجملة من الأغنيات ذائعة الصيت، قد شدا محمد عبد الوهاب من كلماته ب«الصبا والجمال بين يديك» و«الهدي والشباب» و«جفنه علم الغزل»، وتغني فريد الأطرش بعد من روائعه، مثل «عش أنت إني مت بعدك» و«أضنيتني بالهجر» أما العظيمة فيروز فهي التي تألقت مع قصيدته الراقصة المرحة ذات الإيقاع الشبابي: «يا عاقد الحاجبين». ولد بشارة الخوري في العام 1885، وليس أدل علي موهبته من الإعجاب الخاص الذي كان يكنه له أمير الشعراء أحمد شوقي، ومع وفرة إنتاجه المتميز، فقد تأخر صدور ديوانه الأول والأهم: «الهوي والشباب»، فلم يطبع إلا سنة 1954، بدعم مباشر من الأمير عبد الله الفيصل، أحد الشعراء المفتونين بعبقرية الأخطل الصغير، البسيط العميق، صانع الإيقاع الموسيقي والصور الخلابة المبتكرة غير المسبوقة. اللافت للنظر، في المسيرة الإبداعية للشاعر الكبير، أنه كتب بالعامية المصرية أغنية لاقت حظاً كبيراً من النجاح والانتشار: «يا ورد مين يشتريك.. وللحبيب يهديك» والدلالة المهمة هنا أنا مصر في القلب دائماً، وأن لهجتها لا يستعصي التواصل معها علي العرب جميعاً، فلا غضاضة عند الشاعر اللبناني الفذ في الانجذاب إلي سحر العامية المصرية. يا له من زمن جميل يخلو من الادعاء العقد النفسية، بخلاف ما نجده الآن من تطاول يقوم من الصغار، متوهمين أنهم سيرتفعون إذا هبطت مصر! ما أروع بشار وهو ينشد للحب: «كفاني يا قلب ما أحمل.. أفي كل يوم هوي أول؟، فهذاهو سر شبابه الدائم، عاش بالحب وللحب، فلم يعرف الشيخوخة يوماً.