عندما وضع عراب الفكر الاقتصادي آدم سميث كتابه الشهير ثروة الأمم الذي أرسي به قواعد الفكر الرأسمالي الذي تسير عليه اقتصادات العصر الحديث باعتماده علي ما يعرف باقتصاد السوق وفق آليات العرض والطلب وبرغم أن سميث حصر المهمة الرئيسية لدور الدولة في الاقتصاد الحر في أمور الدفاع والأمن والخدمات العامة، إلا أنه لم يغفل دورها التنظيمي والرقابي لشئون الاقتصاد. لقد أدركت الحكومة المصرية بتطبيقها سياسة الخصخصة منذ سنوات من خلال رؤيتها الاقتصادية المعاصرة أن تدخلها في النشاط الاقتصادي يجب ألا يتجاوز حماية آليات السوق، ومن هذا المنطلق نشطت مصر في مسألة الخصخصة ووضعتها ضمن أولوياتها الاقتصادية والسياسية الملحة مدفوعة بإخفاق النظام الاشتراكي والقطاع العام في الوفاء بمتطلبات التنمية والنمو الاقتصادي الذي خلف آثارا سياسية واجتماعية واقتصادية أعاقت خطط الدولة التي وضعت علي كاهلها وأولي أولوياتها مسئولية رفع الأعباء عن مواطنيها، وفي المقابل خلف تبني الدولة لسياسة الخصخصة مشاكل آنية علي الاقتصاد المصري الذي أرسيت قواعده منذ زمن بعيد علي أسس النظام الاشتراكي الذي يتباين بشكل كبير مع ما يعتمده العالم الحديث من نظام رأسمالي بعد أن أثبتت الأيام أن غياب الحوافز الشخصية وميكانيزم الربحية كانا من أهم أسباب فشل النظام الاشتراكي وسقوطه مقارنة مع النظام الرأسمالي الذي يعتمد آليات السوق وتعظيم دور القطاع الخاص للحاق بركب التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاهية للشعب المصري الذي لايزال في تقديري مكبلا بآثار النظام الاقتصادي الاشتراكي والتي من المتوقع وفق السياسات الإصلاحية التي تتبعها الحكومة المصرية أن يتخلص من معاناته الاقتصادية قبل حلول العام 2020 . لقد تعاملت الدولة مع الخصخصة في ردها علي المناهضين لها كبرنامج إصلاح اقتصادي عملي وليس كشعار سياسي نظري، لم تضع الدولة الخصخصة هدفا أو غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة وهذا ما لم تدركه فلول الأقليات الرافضة من بقايا اليسار المصري، لقد تعاملت الدولة مع الخصحصة كأداة لتحقيق أداء أفضل للاقتصاد المصري، وخطوة ضرورية في طريق سياسة الإصلاح الاقتصادي وضمان حسن استغلال الموارد الاقتصادية وعدالة توزيعها من خلال تفعيل دور القطاع الخاص لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري بما يتفق مع طبيعة المتغيرات التي يفرضها النظام الاقتصادي العالمي الجديد. يحسب للدولة أنها أدركت مبكرا أن أي فكر لا يستوعب طبيعة البشر لا يمكن أن تبقيه القوة أو تحميه السلطة فكان اللجوء إلي حتمية الإصلاح الاقتصادي، رأت الدولة أن استقلال مصر الحقيقي يكمن في ترتيب بيتها الاقتصادي من الداخل، كما ارتأت الدولة أيضا أن الخلاص من ارث البطالة المقنعة والخسائر المتراكمة في شركات القطاع العام يكمن في تطبيق سياسة الخصخصة التي واجهتها للأسف دون وعي بعض الأقليات السياسية المصرية من ذوي الحناجر بالرفض متباكية علي أنظمة ومحاور سياسية واقتصادية لفظتها شعوبها قبل أن يلفظها العالم، لقد تحطمت تلك الأيديولوجيات الفارغة لعجزها عن تلبية متطلبات شعوبها من التنمية والتعليم والصحة والأمن وحتي مجرد الحلم في التمتع بما أفرزته المدنية الحديثة من وسائل تيسر حياة الإنسان وتعينه علي المعاش بما يحفظ له كرامته وعزته ويعزز من إنتاجيته. يدرك العقلاء في مصر وهم الأغلبية أن تبني الدولة لخيار الخصخصة وتحرير الاقتصاد خير برهان وأكبر دليل علي جديتها في إيقاذ وعي المواطن المصري وتحريره من أعبائه والتخفيف عن كاهله كي يتسني له العيش في حياة كريمة وينعم بمكتسباته ويعزز من طاقاته وإمكانياته لمواجهة المتغيرات الدولية التي تتطلب الاعتماد علي الذات والارتقاء بالمهارات للحاق بركب التقدم والمدنية في عالم ما بعد العولمة الذي يعتنق النظام الاقتصادي العالمي الجديد. في تقديري أنه يحسب للدولة المصرية أيضا أنها استشعرت مبكرا حاجة شعبها الملحة إلي المشاركة الجدية في هذا التوجه العالمي الجديد والسريع الذي اتفق عليه الفكر البشري بأيديولوجياته المختلفة، فكان قرارها بالاتجاه نحو تطبيق آليات الخصخصة، علي الرغم من العقبات الكثيرة التي واجهتها، لقد تعاملت الحكومة المصرية مع الخصخصة كخيار حتمي لا رجعة عنه، يضعها أمام مسئوليات جسام تتطلب وعيا وإدراكا جمعيا من كل فئات الشعب باعتبار الخصخصة واجهة للحضارة السياسية المعاصرة وأن الاقتصاد عالم لا يصمد أمام تقلباته وعثراته إلا الأقوياء.