عرض: داليا طه بعد أن لعب اليهود أدوارا مؤثرة في أوروبا ثم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، اهتمت اغلب الكتب بتوضيح العلاقة بين اليهود والمال.كما صورت أغلب الأعمال الأدبية والشعرية والمسرحية الشخصية اليهودية علي أنها شخصية محبة للمال مقبلة عليه، مؤثرة للربا مشرعة إياه، ميالة إلي الغدر متصالحة معه، شديدة البخل قليلة الإنفاق كثيرة الاستغلال للآخرين. يوضح جيري مولر ، أستاذ التاريخ بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية في واشنطن، في كتابه " الرأسمالية واليهود" والذي صدر بداية العام الحالي أن العلاقة بين اليهود والمال ظلت لقرون عديدة غامضة ولا يقدر أحد علي الاقتراب منها بسبب الاعتقاد الشائع أن هذه العلاقة هي مبرر معاداة السامية ومنبع المأساة .كما يري أنها علاقة فريدة لأنها توضح لنا كيف نشأ التاريخ الأوروبي الحديث. يؤكد الكاتب أن اليهود هم الذين يقفون خلف الاقتصاد الرأسمالي الحديث، معتبرا أن وظيفة الإقراض التي زاولوها مكنت من زرع بذور الرأسمالية. يبدأ المؤلف كتابه من بداية ظهور اليهود في التاريخ ، متتبعا مسار التاريخ اليهودي والهجرات اليهودية قبل نشأة تجمعاتهم وبداية التعامل بالنقد ، ليقول إن اليهود جعلوا من المال البديل عن ممارسة العنف. ويرسم الكتاب شكل الحياة المالية لليهود التي تجد جذورها في اللغة العبرية، فاللغة العبرية لا تعرف فعل التملك والشئ المملوك لا يتميز عن الشخص الذي يملكه، كما أن كلمة المال تتكرر في العهد القديم 350 مرة بمرادفات مختلفة منها الرغبة، والمال يسهل الحصول علي جميع الأشياء، فقط السرقة هي المحظورة. ويكشف المؤلف عن الدور الذي قام به اليهود في البلدان الأوروبية التي شهدت أولي معالم الاقتصاد الرأسمالي كالبلدان المنخفضة وإنجلترا منذ القرن السادس عشر، والدور الذي قاموا به في القرن التاسع عشر في قطاعات حيوية مثل الطيران والسيارات والإعلام حيث كان أداء اليهود جيداً خاصة في مجال التجارة وفي البحث عن منافذ اقتصادية لم يحتلها آخرون بالفعل، فقد نجح اليهود علي نحو متكرر في إنشاء أسواق لمنتجات وخدمات جديدة، كما تمكنوا من ريادة مؤسسات البيع بالتجزئة الجديدة، من أشكال المتاجر كافة. ويقول المؤلف أن القليلين فقط هم الذين يعرفون أن "وكالة رويتر للأنباء" ووكالة "هافاس" وضعهما اليهود في القرن التاسع عشر، مثلهما مثل البنك الألماني وبنك باريس والبنوك الكبري في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد هجرة اليهود الروس إلي أمريكا، لكن تركيز اليهود الأمريكيين في بداية القرن العشرين تحول من القطاع البنكي والمالي إلي مجالات التسلية والإعلام والموسيقي والسينما، حيث أنشأوا أهم الشركات العاملة في هذا المجال مثل"إم.جي.إم" و"فوكس" و"إر.سي. أي" و"إن.بي.سي" و"سي.بي.إس"، والتي تشكلت منها هوليوود. ويشير المؤلف الي ان التعامل الربوي لليهود ظهرفي الإمبراطورية الرومانية التي كان يعيش بها 6 ملايين يهودي، حيث صار اليهود هم الحرفيون والتجار والمقرضون والسماسرة. ويري المؤلف أن الربا بالنسبة لليهودي أمر مشروع عندما يتعلق الأمر بالقرض الربوي لغير اليهودي. ونظرا للتعامل بالربا فإن اليهود تمكنوا في وقت قصير من مراكمة ثرواث طائلة ، فهم كانوا يقرضون المال لمهلة من عام أو أقل ومقابل أرباح كبيرة، مما كان يضاعف أموالهم بنسبة 50 إلي 80 %" فسار تراكم المال بسرعة. ووفقا لجيري مولر ، كانت الرأسمالية أهم قوة في تشكيل مصير اليهود في العالم الحديث حيث إنها شكلت النزعة العرقية التي جاءت كرد فعل لمسيرة الرأسمالية في القرن التاسع عشر.