أحيانا ترد إلينا في البريد الإلكتروني رسائل تحوي عبارات وأمثالا ودروسا من الحياة، وتكون جميلة وهادفة ولكن بعضها قد يكون مضحكا بسبب أنها قد تمت ترجمتها من لغة أخري وثقافة أخري.. وأحيانا تكون الترجمة فقط هي سبب المشكلة، وأحيانا أخري تستقيم الترجمة ولكن المعني كله يصير غريبا بسبب اختلاف الثقافات والتضاد بين قيمة الأشياء في الثقافات المختلفة.. وقد يكون فهم العبارة أيسر إذا قرأتها بلغتها الأصلية.. وقد تحتاج إلي تفسير بعد الترجمة حتي يتضح معناها.. ومن الرسائل التي وصلتني رسالة تحت عنوان (كلمات جميلة) والمقصود (عبارات جميلة).. والعبارات الجميلة هي: «ليس المهم أن تكون ملكاً، ولكن المهم أن تتصرف وكأنك ملك». وهذه لا توجد فيها مشكلة في الترجمة ولا في الثقافة، ولكن السؤال هو: كيف ستعيش وكأنك ملك، وأنت لا تملك؟ وكيف ستتصرف كالملوك وأنت لا تحكم؟ «تستطيع أن تجُر الحصان إلي النهر، ولكنك لا تستطيع إجباره علي الشرب». هذه العبارة تبدو واضحة ولكن المغزي منها غير واضح.. نعم نحن لا نستطيع إجبار الحصان علي الشرب ما لم يكن راغبا في الماء أو عطشان.. ولكن هل معني هذا أنك لا تستطيع مساعدة أحد ما لم يكن راغبا في المساعدة؟ أم معني هذا أنك صاحب قدرات محدودة فقد تتمكن من فعل شيء ولا تقدر علي غيره؟ «لا تعرف قيمة ما تملك حتي تفقده، ولا تعرف ماذا ستفقد حتي تفقدُه». أما هذه العبارة فواضحة، ولا تحتاج إلي تفسير.. ولكنها تبعث علي الحزن والندم.. فغالبا لا نعرف قيمة من حولنا من الناس الذين أتوا في حياتنا أو وضعتنا الظروف في حياتهم حتي نفقدهم إما بالموت أو بالتباعد الإجباري أو الاختياري.. عندئذ فقط ندرك قيمتهم ونندم علي أننا لم نعرف قبلا أنهم سيتركوننا وإلا كنا تصرفنا بشكل مختلف.. «هنالك فرق بين من يمسح دموعك، وبين من يبعدك عن البكاء». عبارة أخري مبهمة.. من يمسح دموعك هو من يخفف عنك أحزانك، فما المقصود بمن يبعد عنك البكاء؟ هل هو من يمنع عنك الحزن أصلا؟ ومن يستطيع أن يفعل ذلك؟ لا تركض خلف المظاهر فقد تخدعك، ولا تركض وراء الثروة فقد تتلاشي بسرعة، ولكن أركض خلف من يعطيك الابتسامة فإنه سيقلب حزنك إلي سعادة دون مقابل. هذا صحيح، فالثروة والمظاهر تتلاشي وتخدع، أما الإنسان فهو الثروة الحقيقية.. ولكن (اركض خلفه.. وسيقلب حزنك إلي فرح) تحتاج إلي مراجعة.. «لا يوجد مثال لنكران الذات كالصابونة، فهي تُذيب نفسها لتُزيل أوساخ الغير».. كانت هذه العبارة هي أكثر ما أضحكني.. فالاختلاف الواضح في تقدير الأشياء بين ثقافة وأخري يظهر جليا في هذه العبارة.. فهي تحث القارئ علي أن يتشبه بالصابونة التي تذوب من أجل الآخرين.. والصابونة في ثقافتنا لها مدلول مختلف تماما.. فلا أحد يريد أن يكون صابونة ولا أن يأخذ صابونة.. هي عبارات جميلة، ولكن ليست كلها واضحة، وبعضها لا يوافق ثقافتنا تماما..