لو كنت مكان وكيل النيابة الذي يحقق في حادث "مركب المعادي" الذي غرق بمنطقة طرة في المعادي مساء الخميس الماضي، وأودي بحياة 7 فتيات في عمر الزهور، ولا يزال البحث جارياً عن جثث أخري، أو كنت مكان القاضي الذي سيحكم في القضية بعد ذلك، لحكمت باعتبار هؤلاء الضحايا - مع تعاطفي الإنساني معهن، ومواساتي لأسرهن - شركاء في هذه الجريمة، ويجب محاكمتهن لا كضحايا ولكن كمجرمات أجرمن في حق أنفسهن، وفي حق أسرهن.. وينطبق ما أقول به في كثير من ميادين الحياة. ليس المجرم الوحيد في هذا الحادث هو صاحب المركب الذي دفعه طمعه إلي أن يستقبل علي مركبه نحو 19 فتاة، في حين أن حمولة المركب لا تزيد علي 7 أفراد، وهو كذلك ليس المجرم الوحيد وقد حوَّل مركبته من مركب شراعي إلي مركب سياحي لنقل الركاب، وليس هو المجرم الوحيد حين خالف كل شروط الأمان والسلامة في المركب، ولكن كانت الضحايا شريكات في هذا الجرم! لم تكن الفتيات مجبرات علي الركوب في هذا المركب بهذا الشكل العشوائي.. ولم تكن الفتيات يقعن تحت ضغط الاضطرار حين علمن بحالة هذه المركب أن يكملن الإبحار بها، ولم يكن هناك إجبار من أي نوع علي أن يرضين لأنفسهن أن يتم "حشرهن" في هذا المركب الضيق.. نعم الضحايا، ونحن مثلهن، نتحمل المسئولية الكاملة عن كل ما يقع لنا. لو رفض كل شخص منا أن يساير الموجة، ولو رفض كل شخص منا الأوضاع المقلوبة، ولو تمسك كل واحد منا بحقه كاملاً وفرضه علي الآخرين لما حدث لنا هذا.. لو تمسك كل مواطن بحقه في أن يجلس علي كرسي منفرداً في الميكروباص، وألا يدفع غير الأجرة المحددة، لما استطاع سائق الميكروباص أن يستغل الناس بأن يحشر الناس في سيارته وأن يزيد من التسعيرة.. لو تمسك كل مواطن بحقه في الحصول علي "أنبوبة الغاز" بالسعر المحدد، ولم يزايد كل منا علي الآخر، لما استطاع أحد أن يبيعها بأكثر من ثمنها.. لو تمسك كل منا بمقاطعة كل من يريد أن يتاجر أو يتجرأ علي حق الناس لما تجرأ أحد علي هذه الحقوق. أقولها بصراحة، عندما نفرط في حقوقنا فليس مطلوباً من الآخرين أن يحافظوا عليها.. وعندما نرضي بالهوان لأنفسنا فليس من حقنا أن نلوم الناس علي عدم احترامنا.. بداية الطريق هي احترام حقوق الذات، مهما كان الحرمان الذي ستتعرض له، ومهما كان حجم المشكلات التي ستواجهها بسبب ذلك.. فحرمان مؤقت، ومشكلات طارئة خير من هوان دائم وذل مستديم. نعم، نحن كلنا شركاء في هذه المسئولية، ومسئولية الضحايا لا تقل عن مسئولية الجناة.