يحتفظ الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع في ذاكرته بالكثير عن والده محمد السعيد محمد البيومي والتي لم يفصح عنها وظلت هذه الذكريات حبيسة هذا العقل الممتلئ بذخائر ووثائق تاريخية إلا أنه لم يخرج ويتحدث عن والده حتي حينما كتب اهداء في أحد كتبه قدمه لجده من ابيه، وادهشني السعيد وهو يتحدث عن طفولته، وكيف اثرت فيه ورشة جده الميكانيكية والتي ورثها ابوه فيحكي قائلاً: وأنا طفل كنت أري كيف يوضع الحديد في النار حتي يصل لدرجة الاحمرار فيطرق فيشكل.. فقد لعبت هذه العملية دوراً كبيراًَ في تكوين السعيد الفكري. كان أبي سخياً ففي الورشة التي اطلق عليها سيدة الحي كان بها حنفية مياه يظل الصبية يشربون منها المياه، وكان والدي يضع بنورة «مليانة» بالقروش ويقف طابور طويل لتمتد كل يد تأخذ قرشاً حتي تنتهي البنورة من القروش، وكانت كلمة أبي آمرة علي جميع من في الحي ويصالح زوجه إذا غضبت أو ابناً دخل في خلاف مع والده. ويقول السعيد عن هذا «احنا كنا أسرة متوسطة لكننا أغني من الجميع. وكان الحاج محمد يعطينا حالة من الرعب الحنون فقد كنا حينما نلعب كرة شراب يقف وينظر إلينا فكنا نترك الكرة ونجري وفي البيت كنا ثلاثة أولاد وثلاث بنات واثنتين من الشغالات.. تسعة عفاريت في البيت والأم سيدة طيبة جداً.. ووديعة ومنكسرة وكان الحاج محمد «وهو داخل البيت» يحك جزمته في أول سلمة فبقدرة قادر تنتهي كل الشقاوة وفي دقيقة كل واحد ماسك كتابه. ويستطرد «السعيد» كان يلقنا درساً دون أن يعطينا محاضرات فالحسنة تأتي في البيع والشراء بأن تبيع ناقص حسنة وأن تشتري من الفقير بضعف الثمن، وعلمني ألا اسمح لأحد أن يمسح لي حذائي ولا أعطي شنطتي لأحد «يشيلها». ويضحك السعيد حينما يتذكر بعض المواقف مع والده: قدرت أنا واخويا حينما كبرنا إننا نروح السينما واتمشينا علي البحر ورجعنا البيت العاشرة فوجدنا الباب مقفولا بالترباس وحينما طلبنا الدخول وضع يده علي الباب ودخلت أنا من تحت قدميه وظل أخي خارجاً وقتها». وكان والدي تقياً جداً ففي الصيام كان لا يستطيع أحد أن يجرؤ ويفطر قبل أن يصل والدي المغرب وكان هذا يأخذ وقتاً طويلاً ونحن صائمون لا أحد يمد يده من قبل أن ينتهي الوالد من الصلاة فقلنا لولد صديق لنا كان أبوه شيخ جامع الموافي أن يخطب والده في المصلين بأن يعجلوا بالإفطار فرفض الولد فضربناه وذهب لوالده يحكي فقال له الشيخ طبعاً موافق والتزم بعدها الوالد بكلام الشيخ. وكان والدي رجلا حنونا جداً لكنه كان يعتبر أن الإفصاح عن مشاعره نوعا من الضعف لكنه كان ودوداً مع أقاربنا ويقوم بدور الأخ الأكبر بالنسبة للجميع. ويضحك السعيد: ضربني والدي مرة واحدة.. كنا فعلاً نستاهل.. احنا كنا عفاريت.. لا أعرف كيف طلع في دماغنا أن نعاكس كل الجيران ونغلق جميع الأبواب جبنا نواة بلح ووضعناها في بلك أسود وضعناها في فتحة الباب وطبقنا هذا علي كل أبواب الحي فلم يفتح أي باب وانقلبت الدنيا وقام والدي بعدها يضربنا في البلكونة أمام كل أهل الحي. ولم يوافق والدي في البداية علي زواجي من زوجتي لا عائلتي ولا عائلتها فأنا كنت مسجونا وهي معتقلة ونعرف بعضا منذ 3 سنوات وحينما قلت له إنني ذاهب لبيت خطيبتي أحضر علبة كبيرة من الحلويات وقال: «مش هينفع تخش علي أهل خطيبتك وايدك فاضية» وحضر الخطوبة ولما خلفت خالد ركع وأصبح خالد سيد الأسرة ويقول والدي عن خالد «ده ابن الحبيب الغالي» وحينما كنت أسجن كان يرفض أن يحضر قال لي بعدها أنه لم يكن يقدر أن ينظر إلي وأنا في السجن. وللمرة الأولي التي أري فيها السعيد وعيناه قد اغرورقت بالدموع وهو يقول «لم اعرف أن الموت ارادة» فقد كنت في اليونان في أحد المؤتمرات وإذا بشقيقتي الصغري تتصل بي وتقول أن الحاج عايزك ولما حضرت بعد معاناة قال لي انت جيت.. مفتاح الخزنة وهو يمد يده تحت الوسادة يعطيه لي وهو يقول «ما تتخضوش.. الفلوس كثيرة» خللي بالك من اخواتك ومات الحاج محمد السعيد محمد البيومي.