لما شك البخاري نفسه في المنقول من السنة النبوية كلها، ثم غربلها.. ودققها وأعاد إخراجها، لا اتهمه أحد بالإنكار.. ولا وصمه الأئمة بالخروج عن الدين. صحيح ابتغي البخاري مرضاة الله، في السعي لجمع ما نقل عن رسول الله، إلا أن الرجل لم يخرج عن كونه مجتهداً، لا يجوز رفع اجتهاده إلي مرتبة الاصح بعد «كتاب الله».. ولا يمكن تقديسه لحد «الفتنة» بين المسلمين. نقل البخاري ما شهر عن رسول الله، طمعا في طاعة رسول الله. لكنه خالف في الوقت نفسه نهي رسول الله عن تدوين أحاديثه «ص» بحيث لا توازي كتاب الله لدي عامة المسلمين فيما بعد. وهو ما قد حدث فقد اعتبر بعضنا بعد 1400 سنة من الرسالة أن البخاري هو الأصح بعد كتاب الله، وفُتن المسلمون في كتاب «الإمام» ووصموا المطالبين بإعادة فحصه بالخروج عن الدين.. وإنكار السنة. ولد الامام البخاري عام 194ه، وولد الإمام مسلم ما بين 204و206ه، بينما ولد الترمذي وأبو داود وابن ماجة والدرامي بعد عام 209ه.. وكلهم من الجيل الأول لأرقي ما وصلنا من كتب الحديث. لا شاهد أحدهم النبي، ولا سمع منه.. ولا حتي سمع مباشرة من الصحابة أو التابعين. المعني أن البخاري - رغم اجتهاده - لم يتخط الشرط الأول في «علوم الجرح» فقد نقل بالسماع بعد جيلين، ولم يسمع مباشرة من النبي، ولا روي مباشرة عمن من سمع منه «ص» مباشرة .. هذا جانب. الآخر.. أن الإمام البخاري خالف بكتابة السنة، الثابت بالسنة أيضا، ووقع المتمسكون بصحيح البخاري فيما حذر منه رسول الله بعدما جاءه خبر من يكتبون أقواله! فقد خاف النبي «ص» أن يظهر للمسلمين كتاب غير كتاب الله، فنهي عن تدوين أقواله، وتكلم عن هذا النهي أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وزيد ابن ثابت وعبد الله ابن مسعود وابو سعيد الخدري. روي أبو هريرة خروج رسول الله عليهم وهم يكتبون أحاديثه فسألهم عن الذي يفعلون، ثم انفعل وقال: اكتاب غير كتاب الله؟ قال أبو هريرة: فجمعنا ما كتبناه وأحرقناه بالنار وفي تذكرة الحفاظ للذهبي روت عائشة بنت أبو بكر جمع أبي الحديث عن رسول الله وكانوا خمسمائة حديث، فبات يتقلب كثيرا فلما اصبح قال اي بنية هلمي بالاحاديث التي عندك فدعا بنار فأحرقها «وروي عن ابي هريرة أن رسول الله قال: «لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب غير القران فليمحه».. وروي أبو سعيد الخدري: «استاذنت رسول الله أن أكتب حديثه، فأبي أن يأذن لي». بعد 50 عاما من جيل التابعين، ولد البخاري فخالف هؤلاء.. ثم كانت فتنتنا بعد 1430 عاما هجرية في خوفنا أن نخالف البخاري.. من أين يستمد كتاب البخاري سطوته تلك؟!