لا شك أن البقاء في مقعد المتفرج هو أسهل الحلول المتاحة كي تحظي بالسلام. ولأنك في مصر الآن، وخاصة في مجال المسرح، بمجرد التحرك نحو الفعل تدخل دائرة النقد، والفنان محمد صبحي لم يرض بمقعد المتفرج فعليه أن يتقبل النقد، خاصة أن ذكر دور النقد في تقريره الذي أعلنه في مؤتمره الصحفي بالمجلس الأعلي للثقافة مؤخرًا، قد خلا تماما من ذكر العقل النقدي. ومشكلة مسرح الدولة الرئيسية تكمن في غياب هذا الدور المسمي في معظم فرق العالم بالدراماتورج بمعني رجل الدراما، وهو مثقف مسرحي يساهم في عمل الفريق منذ اختيار النص الجيد وحتي قراءة رد فعل الجمهور وهو مشارك مراقب للعملية الإبداعية، وغيابه هو سبب ضياع فكرة وهدف وتصور الفن المسرحي من المؤسسة الرسمية للدولة.. وغيابه عن التقرير هو سبب ركاكة صياغته اللغوية، واحتوائه علي أخطاء نحوية وإملائية كثيرة.. وعدم ترتيب أفكاره وخلطه بين تشخيص المشكلة واقتراح الحلول، بل وقسوته غير المبررة علي فناني مسرح الدولة الممتلئين بالغضب وقد وصفهم التقرير وخاصة من حصل منهم علي لقب فنان قدير بالبلطجة في السلوك في أكثر من موضع، كما أشار إلي أن مثيري المشكلات هم من الممثلين المجهولين الحاصلين علي درجة فنان قدير.. وهي لغة متعالية في وصف الزملاء الذين تعرضوا لتجاهل وإهمال وعدم تدريب، ولم يعلن عنهم أحد حتي ينالوا الشهرة، بل لم يحصلوا طوال مدة خدمتهم إلا علي أقل القليل ماديا ولذلك يغضبون لغياب مفهوم الفريق المسرحي القائم علي التدريب والحساسية الفنية المشتركة وفرص الإعلان عن المواهب، وهو الدور الذي كان المسرح الرسمي يلعبه يوم كان المسرح القومي يمنح فرص البعثات العلمية الخارجية ويقدم المواهب ويعلن عنها في كل وسائل الإعلام والإعلان. البلطجة إذن هي حرمانهم حق العمل والكسب الكريم والنجاح الجماهيري، فرفقًا بهم حتي لا تصبح أنت ولجنة النهوض بالمسرح العليا عليهم مع الظلم التاريخي الواقع عليهم، كما نرجو التروي قليلا في دمج وإلغاء الفرق وتغيير مسمياتها، فمصر تحتاج لأضعاف تلك الفرق حتي يحصل المواطن علي نصيبه من المسرح في جميع أرجاء الوطن وليس في القاهرة والإسكندرية فقط. المشكلة أن التقرير يتناقض مع نفسه فهو يبرئ د.أشرف زكي والفنان الكبير فاروق حسني من التدخل في شئون الفرق، ويسمي هذا التدخل بالوصاية، والحق أن غياب تدخلهما بالمساءلة والمتابعة هو ما أتاح للسادة المديرين التصرف بلا حدود وفعل أي شيء يخطر ببالهم مما صنع حالة من الفوضي في الإنتاج المسرحي الرسمي، أما باقي التناقض فهو إقرار المديرين ورئيس قطاع الإنتاج بالفشل، فلماذا يشارك الفاشلون وفقا لاعترافهم في وضع خطط الإصلاح أو القيام بتنفيذها. التقرير أصر علي حصول د.أشرف زكي علي البراءة من التدخل في سير العمل، مما يجرد وظيفته من معناها، فإن لم يتدخل رئيس قطاع الإنتاج الثقافي فمن يتدخل؟! كما تجاهل التقرير تماما ضعف الميزانيات المخصصة لمسرح الدولة. وتجاهل إمكانية وجود علاقة فاعلة تتيح لكل الفنانين العمل المنتظم إذا ما تم إدماج المسرح في عملية التنمية الاجتماعية بداية من محو الأمية حتي مشكلات المشاركة السياسية مرورًا بالصحة والقدرة علي تحسين حياة الناس بالتدريب علي الفعل وهو الدور الذي نحتاجه في مصر الآن في ضوء تجربة أمريكا اللاتينية الشهيرة في استخدام المسرح للتنمية. المعروف أن بعض الأسماء المعلن عنها باللجنة العليا لم تحضر الاجتماع الوحيد لها قبل إعلان التقرير وإلا كانت راجعت اللغة علي الأقل فمحمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب يعرف القراءة والكتابة، أما د.مصطفي الفقي الذي جاء متأخرًا بعد انتهاء المؤتمر الصحفي تقريبا فأدعوه فقط لقراءة التقرير، أما نجوي إبراهيم المذيعة المحبوبة فكنت أتصور أنها ستقول لهم: أنا لم أقف يوما علي خشبة المسرح، هكذا فعل نجيب ساويرس المؤمن بالتخصص واعتذر.. أما غياب جيل الوسط من اللجنة وأيضًا جيل الشباب فهو تعبير عن قراءة خاطئة جاءت في التقرير مفادها أن الشباب حصل علي كل شيء بينما تم إهدار الخبرات وهو أمر غير صحيح، فقط أدعو صبحي لوجود شخص مسرحي داخل السن القانونية للخدمة. لا أعرف ماذا حدث؟ هل تم استيعاب صبحي أم تفكيك رؤيته المثالية للأمور؟ بقي أن أحذر من أن هذا التقرير سيزيد الأمور تعقيدًا علي تعقيدها.