أيام زمان كانوا يقولون (ده زي الرز) في إشارة إلي كثرة الشيء المشار إليه ووفرته.. أما الآن فلا تنطبق تلك المقولة علي أي شيء ولا حتي علي الأرز.. فقد ارتفع سعر الأرز هذه الأيام بشكل كبير ولم يعد متوفرا علي الإطلاق لدرجة أن الأرز الذي يوزع علي البطاقات التموينية لا يصرف بالكميات المطلوبة وبالتالي لا يحصل المواطنون علي الأرز المخصص ضمن ما يحصلون عليه ببطاقاتهم التموينية تلك. إذا الأرز (لم يعد زي الرز).. بل أصبح الأرز في مصر بلد زراعته عملة نادرة الوجود وغالية الثمن.. فماذا يأكل الناس كبديل عنه؟ يقولون إن البطاطس هي الأخري من النشويات ويمكن جعلها بديلا للأرز في أثناء عدم وجوده.. ولكن صديقتي اتصلت بي تليفونيا لتحذرني من البطاطس.. لماذا؟ لأنها قامت بشراء بعض منها، ولما عادت إلي البيت وجدت أن البطاطس شكلها نصف مريض، والأهم رائحتها، تماما كرائحة مبيدات الحشرات.. ورأت صديقتي أن البطاطس التي قامت بشرائها مشبعة بالمبيدات، أي ببساطة (مرشوشة) ولكن (بذمة).. وبالتالي قررت أن تتركها في مطبخها، ولم تتخلص منها، لا لتستخدمها كطعام، بل كمبيدات تقضي علي الحشرات في مطبخها تماما. والبديل الآخر هو الخبز.. وهل يحتاج الخبز إلي كلام؟ لا توجد طريقة لأكل الخبز إلا بشراء غير المدعوم منه والذي يتراوح سعر الرغيف فيه بين ربع الجنيه ونصف الجنيه، حسب المنطقة التي تسكن فيها ونوعية وحجم الرغيف.. أي أن الأسرة المتوسطة تحتاج من 75 إلي 150 جنيها شهريا لتشتري خبزا فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن يوم الجمعة إجازة وليس من المفروض أن يأكل الناس في أيام الإجازات الرسمية. فمن يستطيع توفير هذا من محدودي الدخل؟ وماذا يأكلون إذا؟ وهل من المتوقع أن يعود الأرز (زي الرز) فيساعد في توفير الغذاء لتلك الأسر الفقيرة؟ أم أن السياسات المائية الجديدة سوف تقلل من إنتاجه وبالتالي يرتفع سعره ويقل وجوده؟ ألم تقم مراكز البحث العلمي بتقديم عشرات البحوث الخاصة بإنتاج أنواع رخيصة من الأرز لا تتطلب كميات كبيرة من الماء المهدر؟ أين هي تلك الأبحاث ولماذا لم نر نتائجها الحقيقية علي أرض الواقع؟ وماذا عن التلوث الغذائي الذي يزيد يوما علي يوم ويتسبب في كوارث وتسمم ولا يلتفت أحد إلي نتائجه الخطيرة؟ إلي متي سنغمض عيوننا عن المقصرين؟ ومتي سنعاقبهم حتي يرتدع كل من تسول له نفسه المساس بصحة هذا الشعب المسكين؟ أين الرقابة علي المواد الغذائية في الأسواق؟ هل تقتصر علي المحال الكبيرة والسوبر ماركت، أم تلاحق بائعي الخضروات والفواكه المرشوشة والمليئة بالمبيدات في الأسواق؟ طبعا لا داعي لمناقشة أحوال الخبز.. لقد أصبح الرغيف المدعم يشبه الجنيه المصري في كل شيء.. وبالرغم من اختلافهما الظاهري فإنهما أخوان يسيران علي نهج واحد من وهن إلي وهن.. وعودة لمقولة (زي الرز) فالتعليق الوحيد الباقي هو (لم يعد عندنا أي شيء زي الرز سوي الناس)..