استنادا إلي نبش جديد لخبايا الأرشيف العسكري الروسي، يقدم أكاديمي بريطاني تفسيرات جديدة لدور روسيا في هزيمة نابليون، فبحسب دومينيك ليفن، أستاذ التاريخ في كلية لندن للاقتصاد وباحث متخصص في الإمبراطورية القيصرية، كانت هزيمة نابليون بونابرت عام 1814 مجرد بداية لما أصبح بعد ذلك أطول حملة عسكرية في التاريخ الأوروبي، التي تميزت بجهود ملحمية من قبل روسيا لتغذية وتزويد نصف مليون جندي بينما كانوا يعبرون قارة بأكملها، هي "أوروبا" بالطبع. يروي ليفن، في كتابه "روسيا ضد نابليون" قصة نضال روسيا العملاق ضد نابليون، التي قرأناها من قبل في رواية تولستوي الرائعة "الحرب والسلام" 1869، فبدا الأكاديمي في هذا العمل رجلا شجاعا يتحدي الروائي العظيم. وهذا في الواقع هو هدف ليفن، وهو هدف مقنع بالنسبة له للعديد من الأسباب، فهو يعتقد أن تولستوي كان مضللاًَ بصورة ما، ومن منطلق المؤرخ المتوخي للحقائق يري ليفن أن رواية "الحرب والسلام"، التي قرأها المصريون في طبعة عربية من أربعة مجلدات عن مكتبة مدبولي عام 1995 وصدرت أيضا عن دار الهلال، سلكت مسلكا منحرفا بخصوص موقف روسيا، وأسهمت في ميلنا إلي سوء الفهم والتقليل من دورها في الشئون الدولية. "روسيا ضد نابليون.. القصة الحقيقية لحملة الحرب والسلام" هو العنوان الكامل لهذا الكتاب، المصحوب برسوم علي مدي أكثر من 600 صفحة، ويقول المؤلف في مدخل الكتاب: "في المقام الأول، يصور تولستوي الحرب علي أنها نتيجة سيطرة أفراد محدودين علي مجريات الأحداث، وأن الروس اعتمدوا بدلا منها علي مقدرات المصير والطقس والجليد واتساع أراضيهم وغيرها من العوامل الجغرافية فقط لا غير من أجل إنقاذ أنفسهم". لكن علي الرغم من ذلك، لا يأتي ليفن في "روسيا ضد نابليون" بما يختلف كثيرا عما ورد في رواية أديب روسيا العظيم (1828 - 1910)، إنه فقط يركز علي الرجل الذي قاد الجيش الروسي إلي النصر، وهو القيصر الشاب "الإسكندر الأكبر" ومستشاريه المقربين، ويظهر الكتاب كيف انتصروا لأنهم أحنك من نابليون، والتزموا الذكاء والشجاعة والتحمل وتنسيق الجهود. "لقد فهم الروس نابليون أكثر مما اعتقد أنه فهمهم"، هكذا يلخص ليفن في كتابه، حيث يؤكد أنه في الوقت الذي ظهر نابليون فيه كمحارب عبقري، كان الإسكندر أكثر دبلوماسية ومهارة منه، حيث استطاع جمع تحالف كبير من الجيش والشعب استطاع في النهاية تحقيق النصر علي نابليون، وهذا ليس بالأمر السهل حسب رأي ليفن، وقد كانت تلك هي الاستراتيجية المحكمة التي هي أكبر من مجرد الاعتماد علي الحظ الجيد وعوامل الطبيعة الروسية المساعدة نتيجة انتشار الثلوج الكثيفة، والتي لم يتحملها جنود نابليون وكانت سبب هزيمتهم كما ظهر في رواية تولستوي. عموما هناك تركيز في الكتاب علي توجيه اهتمام جاد لقدرة الروسي علي تقييم البدائل وتحقيق توازن دقيق بين الاستراتيجيات التي تلوح في الأفق وبين القرارات السليمة للتحضير للغزو، مثل التوقف أو القتال، المناورات أو التراجع المنظم، وعموما النقطة العميقة في كتاب ليفن هي تذكيرنا بحيوية الإمبراطورية الروسية وقت غزو نابليون لها من 1812 إلي 1814، وعلاوة علي ذلك، يركز علي قدرة قيصر روسيا علي استقطاب العديد من الفرنسيين الذين فروا من نظام نابليون، واقناعهم بالعمل معه بسهولة وبشكل جيد لإسقاطه حاكمهم المستبد، ونتيجة لذلك، كانت عمليات المخابرات التي قام بها الاسكندر أكبر بكثير من قدرة عدوه. بهذا التصوير للصراع الملحمي، يصور لنا ليفن آخر حرب عظمي لعب فيها الالتزام العسكري والسياسي دورا كبيرا، ليذكرنا أيضا بأن مشاركة روسيا العميقة والحميمة في تحقيق الأمن الأوروبي اتخذت أشكالا عديدة، وأن الأوروبيين اعتبروا حرب روسيا واحدة من وسائل التحلل من ابتزاز نابليون وطموحاته، وأخيرا ليبين كيف يمكن لدروس الماضي أن تقدم رسائل مفيدة للمستقبل.