في حوار عابر مع شخص يمتلك وعيا، لكنه ليس طرفا في الحياة العامة. هو شخص ناجح في مجال "البيزنس"، لكنه مهتم بالشأن العام. إحدي القضايا التي شغلته، وأهتم بها هو التفسخ الذي يسري في المجتمع، وبالتالي تحول السؤال هو ما حالة التماسك الاجتماعي في المجتمع؟ طرح علي السؤال، فوجدت النقاط، الواحدة تلي الأخري تتدفق، ومن خلال النقاش تبينت أن مواجهة التماسك الاجتماعي ليست مسئولية وزارة أو حتي حكومة فقط، لكنه قضية تمس المجتمع بمختلف فئاته، ومؤسساته، واتجاهاته. التحديات كثيرة، وهذه بعض منها: 1- البطالة: هناك أنواع متباينة من البطالة، هناك بطالة خريجي الجامعات الذين لا يجدون وظائف علي الإطلاق، أو يجدون وظائف لا تناسب تخصصهم الدراسي. وهناك البطالة الفجائية التي تحدث نتيجة أزمات اقتصادية أو تصفية لمشروعات اقتصادية، وهناك بطالة مقنعة حيث يعمل الأفراد في أماكن مكدسة بالعاملين، ويتقاضون أجورا زهيدة علي أمل أن يعملوا عملا اضافيا في وقت العمل الرسمي، أو بعده، أو يجدوا عائدا ماليا إضافيا من خلال الفساد. ما معني البطالة بكافة أشكالها؟ عجز عن توفير الاحتياجات الأساسية، حرمان نسبي، حقد اجتماعي، إدمان المخدرات، هجرة غير شرعية في مراكب الموت، تأخر سن الزواج، الاحباط الذي يدفع للجريمة، حيث تشير الإحصاءات أن نحو 90% من الجناة عاطلون. 2- تأخر سن الزواج أو ما يعرف بمشكلة العنوسة. حسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر 9 ملايين شاب وفتاة تجاوزت اعمارهم 35 عاماً دون أن يتزوجوا، منهم 5.5 مليون شاب و3.5 مليون فتاة فوق سن ال35 ومعدل العنوسة يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر وتختلف من محافظة لأخري، أدت ظاهرة العنوسة إلي شيوع بعض الظواهر غير المتعارف عليها إجتماعيا ودينيا مثل ظواهر الزواج السري والعرفي بين الشباب في الجامعات، وزني المحارم، والشذوذ الجنسي، فضلا عن المشكلات النفسية الناتجة عن العجز عن تكوين أسرة. 3- أما عن الحالة الصحية، فإن الإحصاءات تكشف عن المعاناة الصحية لقطاع عريض من المصريين. هناك 9 ملايين مصري مصابون بالالتهاب الكبدي الوبائي "سي"، أي ما يقرب من 11% من السكان مصابون بهذا المرض الوبائي الخطير، وهناك 40 ألف حالة فشل كلوي و100 ألف إصابة بمرض السرطان تظهر سنويا، وأن مرض سرطان الثدي زاد في مصر في الفترة بين 1973 و1998م بنسبة 40%. يرافق ذلك ارتفاع تكلفة العلاج، ونقص فرص العلاج الحكومي، وتدهور مستواه في حالة وجوده. 4- هبوب رياح ثقافية مغايرة تحمل مدا طائفيا عنيفا في المجتمع المصري، من جراء استيراد ثقافة متزمتة مغايرة من بعض المجتمعات الخليجية النقطية. هذه المجتمعات لا تعرف التعددية الدينية علي النحو السائد في الخبرة المصرية. من سمات الثقافة الجديدة: الإفراط في النزعة الاستهلاكية، وغلبة المظاهر الشكلية للتدين علي حساب الجوهر، إضفاء بردة دينية علي المظاهر الاجتماعية...الخ. وغني عن البيان أن هذا النمط من الثقافة أدي إلي تقليص مساحات التلاقي الإسلامي المسيحي في المجتمع. 5- تزايد ظاهرة العنف المجتمعي، والذي يأخذ في بعض الأحيان شكل العنف ذا الطابع الديني (الإرهاب)، أو العنف الأسري (ضرب الزوجات مثلا) أو العنف المدرسي (الاعتداء علي الطلبة والمدرسين) أو العنف الاجتماعي (مشاجرات ممتدة في الشوارع)، أو عنف لفظي (الشتائم، الألفاظ الجارحة في لغة الخطاب اليومي بين الأفراد ليس فقط في الشارع، ولكن أيضا في أماكن العمل، والجهات الحكومية، والقطاع الخاص علي السواء). 6- وجود قانون موازٍ في المجتمع يتمثل في اللجوء إلي أعمال العنف والبلطجة، والفوضي في إدارة شئون العلاقات بين البشر. كل ذلك يؤثر علي مستوي تقدم وتطور المجتمع. التنمية لا تنفصل عن القانون، والديمقراطية لا تتحقق في ظل غياب القانون. أحد أهم الأسباب وراء هذه الظاهرة هو غياب الثقة في القانون، نتيجة ارتفاع تكلفة اللجوء إلي مؤسسات العدالة، والركون إلي الجلسات العرفية، وبطء إجراءات التقاضي، وعدم تنفيذ الأحكام القضائية بالقدر الواجب. مواجهة كل ذلك تحتاج إلي خطة قومية تحت لافتة أكبر "نحو مجتمع أكثر تماسكا".