من الغباء أن يتصور أحد أيا كان أن من مصلحة مصر استمرار حصار غزة، أو أن مصر عطلت اقتراحاً فرنسياً لكسر أو تخفيف هذا الحصار كما ادعي أحد متحدثي حركة حماس! ومن الحمق أن يتصور أحد أياً كان أن مصر ليست متحمسة أو راغبة في إنهاء هذا الحصار اليوم قبل الغد، وأن يكون إنهاء هذا الحصار كاملاً يتيح لأهل غزة حياة كريمة والحصول علي كل ما يحتاجونه من غذاء ودواء ومستلزمات بناء للمنازل والمباني والمنشآت التي هدمها الإسرائيليون من خلال عدوانهم الوحشي علي القطاع. مصلحة مصر وأمنها القومي يقتضيان ليس فقط إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض علي قطاع غزة وإنما إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ذاته لكل الأراضي الفلسطينية، وتمكين الفلسطينيين من اقامة دولتهم المستقلة التي تحظي بمقومات الحياة والبقاء. ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الأمن المصري مهدد، حتي انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة لم ينه هذا التهديد، لأن وطأة الاحتلال ظلت ثقيلة علي أهل القطاع من خلال الحصار البري والبحري والجوي الذي يفرضه الإسرائيليون عليهم، ومن خلال الاعتداءات التي لا تتوقف من قبل الإسرائيليين علي القطاع. ولأن مصلحة مصر وأمنها القومي في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كلها وليس قطاع غزة فقط، لإقامة الدولة الفلسطينية، فإن مصر ترفض الانقسام الفلسطيني الحالي، وترفض تكريس هذا الانقسام، وتسعي لانهائه وتعمل علي تحقيق المصالحة الفلسطينية. وهنا يمكن فهم الموقف المصري علي حقيقته.. أنه يسعي لإنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض علي غزة بطريقة لا تكرس هذا الانقسام الفلسطيني، أي لا تكرس وجود شبه دويلة أو إمارة فلسطينية في غزة ودويلة أخري في الضفة لأن استمرار هذا الانقسام يعني إجهاضاً لفكر الدولة الفلسطينية المستقلة، ويعفي الإسرائيليين من مسئولية إنهاء هذا الاحتلال للأراضي الفلسطينية، بل يتوافق مع رغبتهم القديمة في إلقاء تبعة غزة علي مصر وإلقاء تبعة ما يتبقي من الضفة الغربية، بعد ضم القدس والاستيلاء علي أجزاء كبيرة منها علي الأردن. والأوروبيون ومنهم الفرنسيون يعرفون هذا الموقف المصري جيداً ويتفهمونه.. بل إن الامريكيين بدأوا بدورهم يتفهمونه أيضًا.. فقد كانوا الأوروبيون والأمريكيون يعتقدون أن فرض الحصار علي حماس هو الاسلوب الامثل في التعامل معها.. لكن مصر كانت تقول لهم دائما إن من يعاني من الحصار ليس حماس وإنما هم أهل غزة الذين لا يجد 20% منهم مأوي لهم بعد أن تهدمت منازلهم بالقصف الإسرائيلي.. والآن بدأ الأوروبيون ومعهم الأمريكيون يدركون أن استمرار هذا الحصار علي هذا النحو المفروض علي غزة لا يمكن أن يستمر ولابد أن يتم تغييره والبحث عن وسائل لتوصيل الاحتياجات الأساسية والضرورية لأهل غزة، المطروح حتي الآن أفكار عامة لم تم صياغتها في خطة واضحة المعالم.. أفكار كلها تستهدف تخفيف الحصار وليس إنهاءه أو كسره بشكل تام.. أي بالسماح بإدخال الاحتياجات الأساسية والضرورية وليس كل الاحتياجات لأهالي غزة مع إيجاد آلية لتفتيش دولي يشارك فيه الأوروبيون لما يتم إدخاله لغزة سواء عبر معبر رفح أو بقية المعابر الأخري بين القطاع وإسرائيل، أو في البحر أيضًا. وهذه الافكار العامة لم تحدد لا نوعية السلع التي سوف يسمح بإدخالها للقطاع ولا السلع التي سيتم منعها وهل سيقتصر المنع علي الأسلحة والذخائر والمتفجرات فقط أم ستشمل سلعا أخري.. كما أن هذه الافكار لم تحدد أيضا تفصيلاً الآلية الخاصة بالتفتيش الدولي للبضائع والسلع التي ستدخل القطاع.. وأين سيقيم هؤلاء المنشقون وعلي حساب من، هل سيقيمون في القطاع أم في الاراضي الإسرائيلية مثلما كان المراقبون الأوروبيون في معبر رفح يقيمون من قبل؟ ذلك هذه الأفكار العامة لم تحدد حجم مشاركة الإسرائيليين في هذه المراقبة، وهل ستكون بشكل بشري أو تكنولوجي؟ أيضاً لم تحدد الأفكار العامة دور السلطة الفلسطينية في هذا الأمر، وإن كان الاوروبيون والأمريكيون لا يريدون استبعاد دورها ولكن يرون أن ذلك سيتاح من خلال المصالحة الفلسطينية.