في الوقت الذي تشعر فيه الولاياتالمتحدة بالتهديد الخارجي المتمثل في الإرهاب الدولي، يجذب جابرييل شونفيلد أنظار الشعب الأمريكي إلي التهديد الداخلي الموازي الذي يعتقد أنه يحمل نفس القدر من الخطورة وذلك في كتابه الجديد «أسرار ضرورية.. الأمن القومي ووسائل الإعلام وسيادة القانون» والذي يشير فيه شونفيلد، الزميل والباحث بمعهد هدسون المحافظ ورئيس تحرير مجلة "كومنتري" السابق، إلي أن "الصحفيين" قد يمثلون تهديدا كبيرا علي الأمن القومي الأمريكي بكشفهم بعضا من أهم الأسرار السياسية والعسكرية ونشرها علي الساحة العامة. والصحفيون الذي يعنيهم شونفيلد في كتابه هم هؤلاء الذين يعملون علي عرقلة الديمقراطية ويضعون أنفسهم فوق القانون مع نشرهم لمعلومات سرية تسربت من قبل الحكومة وغيرها من المصادر. ويشير شونفيلد في كتابه خصيصا إلي تلك التقارير المثيرة التي كشفها صحفيو جريدة نيويورك تايمز الأمريكية عامي 2005 و2006 عندما استطاعوا كشف ونشر اثنين من البرامج السرية التي أطلقتها إدارة بوش بهدف مكافحة الإرهاب، عندما كشف الصحفيون تنصت الإدارة علي المكالمات الهاتفية الدولية لبعض الأمريكيين ومراقبة رسائل البريد الإلكتروني واستغلال مركز تبادل المعلومات المصرفية الإلكترونية البلجيكي لتعقب معاملات الأفراد المالية الدولية وهي الفضيحة المدوية التي أثرت علي سمعة الإدارة الأمريكية ومخططاتها بشدة. ويجادل شونفيلد بقوة من خلال بحثه المتعمق وأدلته التاريخية والقانونية التي يطرحها في كتابه بأن هذه الأنواع من التقارير الصحفية تعد انتهاكا لقوانين التجسس، لذا فهو يري ضرورة محاكمة رئيس تحرير الجريدة والصحفيين وحبسهم، ويقول كذلك إن عدم وجود قانون معين تستند إليه المحكمة العليا في حكمها في قضية أوراق البنتاجون أمر غير مبرر، مطالبا بأن تتم محاكمة الصحفيين الذين ينتهكون قوانين التجسس ويكشفون «الأسرار الضرورية» وهو المصطلح الذي أطلقه شونفيلد علي كل معلومة يمكنها الإضرار بالأمن القومي وهو الاقتراح الذي تقدم به للجنة القضائية لمجلس الشيوخ. ويقول المؤلف في كتابه إن صحيفة نيويورك تايمز من جهتها بررت ما حدث بقولها إن البرامج كانت مثيرة للجدل وكان هناك نقاش حول شرعيتها داخل الحكومة، كما أن البرامج نفسها تقتحم خصوصية الأمريكيين وطبيعتها غير العادية تجعل كشفها يصب في خانة «المصلحة العامة»، ويقول شونفيلد إنه من الطبيعي أن تقوم إدارة بوش بمثل هذه الجهود السرية الضرورية في وقت الحرب لذا فإنه يري أن المشكلة تتلخص في اعتقاد الصحفيين منذ، فضيحة ووترجيت وأوراق البنتاجون، أنهم وحدهم يقررون المصلحة الوطنية وهو ما يدفعهم لنشر كل معلومة مفرطة السرية يمكن الحصول عليها. ويصف شونفيلد الإعلام الأمريكي بالساذج المتشبث بأخلاق الفرسان في ما يتعلق باتخاذ القرارات حول مسائل الأمن القومي، لكنه في الوقت نفسه يشير إلي أنه لا يقصد بذلك تقييد حرية الصحافة، فالصحافة هي أقوي أعمدة الديمقراطية في الدول المتحضرة، ولكنه يدعو لمعرفة القانون واحترامه خصوصاً في مثل هذا التوقيت الحاسم.