جريمة حرب مكتملة الأركان ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق نشطاء مدنيين، حاولوا إغاثة مواطنين فلسطينيين محاصرين في غزة تتطلب ملاحقة دولية لإرهاب الدولة الإسرائيلي، لكن القضية لها أبعاد عدة سياسية تستوجب تحليل ردود الأفعال وما سبقها من شعارات للوقوف علي الحقائق وفرز الغث من السمين. فالمدقق يلاحظ مساعي تركيا في سياستها الخارجية مؤخرًا للعب دور قيادي للعالم الإسلامي، بالنفاذ إلي مساحات من مشاعر المواطن العربي عبر تصريحات نارية يطلقها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وفي المقابل سعت دول صغيرة في المنطقة إلي استغلال الهمجية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني عامة وقطاع غزة خاصة للنيل من مصر وتأليب الرأي العام ضدها وما حدث من هجمة إعلامية علي مصر بالتزامن مع الهجمة البربرية الإسرائيلية علي قطاع غزة نهاية 2008 ليس ببعيد. لكن ما يهمنا هنا هو الدور الفعلي والمواقف علي أرض الواقع ففي حين أن التحرك المصري ركز علي إنهاء الحصار وفقًا لمفهومه بخلق مناعة داخلية عبر وساطة لتوحيد الصف الفلسطيني في جبهة واحدة، مارست بعض الأطراف الخارجية دور الداعم ماليًا والمحرض سياسيًا لحماس للإبقاء علي الوضع الراهن بغية تحويلها إلي ورقة للعب بها في المعادلة الدولية. وجاء الاختبار الحقيقي ففي حين سعت تركيا لكسب نقاط إعلامية جديدة تمكنها من النفاذ إلي عاطفة الشعوب العربية التي تعشق فلسطين وتضع قضيتها نصب أعينها، فاجأها الإرهاب الإسرائيلي بما لم تكن تتوقع بعملية قرصنة مثلت اعتداء علي الكرامة التركية وأسالت دماء عدد من رعاياها. أردوغان الذي انسحب من منتدي دافوس احتجاجًا علي كلمة رئيس وزراء إسرائيل رد علي الهجمة الصهيونية علي أسطول الحرية بإلغاء المناورات العسكرية مع إسرائيل التي كان مزمعا إجراؤها قريبًا ففي الوقت الذي انسحب فيه أردوغان من دافوس ليصفق له العالم العربي، واصلت تركيا تعاونها العسكري والتجاري مع إسرائيل والآن تركيا أمام اختبار حقيقي لا يكفي معه الرد بخطاب الشجب والاستنكار والتهديد والوعيد بل يتطلب أكثر من ذلك.. قطع علاقات وسحب سفراء. فمصر التي كانت منصة تصويب الانتقادات وطالبها الكثيرون أن تحارب نيابة عن العرب ردت بالأفعال.. فتحت معبر رفح وستواصل جهود المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني بعدما دعا إليه إسماعيل هنية وأدرك من يعمل بالفعل في صمت لصالح الشعب الفلسطيني لأنه ليس لديه استعداد لأن يضحي أو ينسي دماء إخوانه وأجداده التي سالت علي أرض فلسطين الطاهرة. فيما كان مضحكًا موقف أمير قطر الذي خرج ليمارس هواية المزايدة وإطلاق الشعارات بالدعوة لعقد اجتماع طارئ للقمة العربية بينما يستقبل القيادات الإسرائيلية من الأبواب الخلفية وتفتح لهم قناة الجزيرة هواءها ليعبروا عن مواقفهم الزائفة. بينما اكتفي نجاد بتصريحاته عن قرب زوال إسرائيل فيما أعلن حزب الله أن ما فعلته إسرائيل عمل إرهابي يستحق عقابًا دوليًا، موجة جديدة من الشعارات الشبيهة بقنابل الدخان التي لا تسيل دمًا إسرائيليًا ولا تردعها دوليًا. الجميع وضع أمام اختبار حقيقي كشف من يعمل لصالح الشعب الفلسطيني ومن يتاجر به، تلك المتاجرة لم تقتصر علي دول بل جماعات سياسية ربما وجدت في الحدث فرصة لاستغلاله انتخابيًا غير أن التصرف المصري الحكيم فوت علي الجميع الفرصة وأثبت أن مصر لا تتواني عن واجبها القومي عندما يجد الجد. إنه اختبار الحرية وحرية القرار النابع من الصالح القومي.