كشف فريق دولي من العلماء عن الوصول إلي حيث لم يصل إنسان من قبل، وهو فكّ شيفرة الحمض النووي للبكتيريا التي تعشّش داخل الجسم البشري. ويُجمع هؤلاء المتخصصون علي أن معرفة التفاصيل الدقيقة لما هو موجود داخل جسم كل منّا سوف تتمخّض بلا شكّ عن تأثيرات إيجابية علي صحة الإنسان، وسيُستفاد منها في التنبؤ بحدوث أمراض معوية مزمنة، ابتداء بالقرحة، ووصولا إلي السرطان. وقد تركّز البحث علي دراسة متوالية الحمض النووي لعدّة آلاف من الجينات التي تستخدمها بكتيريات يصعب حصر أعدادها وتستوطن داخل أحشاء الإنسان بشكل دائم، ومنها حوالي ألف نوع من الميكروبات تعيش داخل الجسم السليم، و160 نوعاً في المتوسط موجودة في أي وقت لدي كل كائن بشري. ويعتقد العلماء أن أحشاء الجسم السليم تحتوي علي حوالي 100 تريليون خلية ميكروبية، أي ما يزيد بمقدار 10 مرات علي عدد خلايا الجسم البشري. ويقول جيروين رايس، من جامعة فريج في بروكسل، إن أحدا لا يملك أدني فكرة عمّا تفعله هذه البكتيريا للمحافظة علي الجسم صحيحا مُعافي، ولا كيف يتمّ هضم الطعام، وأي من البكتيريا تفعل ذلك. ويعادل الجهد الذي يُبذل في سبيل دراسة جينوم هذه البكتيريا نظيره المبذول لدراسة الجينوم البشري 200 مرة.وقد أخذ العلماء عيّنات من 124 شخصاً أوروبياً، وحللوا الحمض النووي فيها عَبْرَ فكّ شيفرة الجينات التي تتموضع علي جُزيئاته، والتي تشكل في مجموعها وحدة العوامل الوراثية. ويقول الدكتور جون وانج، من مركز شينزن الصيني المتخصص- وهو الأكبر من نوعه علي مستوي العالم- إن ما يزيد علي 99 % من الجينات التي تحتوي عليها الأحشاء البشرية ذات طبيعة بكتيرية، وإن أعدادها تتراوح بين ألف و1150 نوعاً، ولدي كل إنسان ما لا يقلّ عن 160 نوعاً منها بشكل دائم. ويوضّح الدكتور وانج أن أعلي كثافة من هذه الميكروبات تتجمّع في القولون، وإنها تنسجم إلي حد كبير مع الجسم البشري السليم، ما فتح الباب أمام دراسة أنواع مختلفة من الميكروبات، بعضها جديد وبعضها الآخر لم تسبق دراسته من قَبل، وليس من المعروف كيف تعمل. ولا يُخفي العلماء دهشتهم حيال وجود هذا العدد الكبير من البكتيريا داخل جسم الإنسان والتجانُس الكبير في بنيَتها وعَمَلها حسب الجسم الذي تعيش فيه، وقد كان الأطباء يعتبرونها واسعة الاختلاف فيما بينها. والواقع أن جسم الإنسان يبقي مُعقّماً حتي الولادة، وأنه خلال السنة الأولي من حياته تظل أحشاؤه تتحرك بحرّية إلي أن تستقر بعد الفطام. وتبيّن النتائج التي أجريت علي الحيوانات أن خليطاً من بكتيريا الأحشاء ضروري لإتمام عملية الهضم وربما في إبعاد الأمراض. وتُعتبر أحشاء الإنسان نظاماً بيئياً متكاملاً تعمل تكنولوجيا الجينوم علي استكشافه، تماما كما يعمل علماء الحياة البحرية علي جمع مياه البحار لاكتشاف البكتيريا والميكروبات الموجودة فيها، ولايزال الكثير منها غير معروف إلي يومنا هذا. وسوف تركز الخطوة التالية علي دراسة التغيّرات التي تطرأ علي البكتيريا داخل أحشاء الإنسان خلال مراحل حياته، وكيفية حدوث الأمراض، وما إذا كانت ثمة فوارق ملحوظة، وفق اختلاف الشعوب والمناطق حول العالم. عن صحيفة ذي إندبندنت البريطانية