البطالة، ارتفاع الأسعار، تدني الأجور، ضعف المستوي التعليمي، ضعف الخدمات الصحية، الدعم، حق الإضراب ....إلخ هذه نماذج لبعض الموضوعات المطروحة علي المجتمع المصري بجميع توجهاته، وخلاصة نتائج هذه المواضيع - في نظر غالبية الإعلاميين والسياسيين - هي أن مصر إلي الهاوية تسير ولا فرق في ذلك بين معارضين وبين بعض المنتسبين للنظام الحاكم في مصر، بل إن الحكومة نفسها قد اقتنعت بعض الشيء فيما يطرح من آراء وإن كان الواقع يخالف هذا الطرح، إنني أدعو المعنيين بالأمر العام أن يتأملوا موضوع المقال فماذا أعني بثقافة التسول بعد مقدمتي السابقة؟: إنني أتفهم أن الناس في مصر يعيشون في حالة اقتصادية معينة لكنها لا تصل إلي حد المجاعات التي يحاول البعض تصويرها في الداخل والخارج، وبالمثال يتضح المقام: 1- دعوي البطالة، إنها دعوة ظالمة وتضخيمها يخالف الواقع حيث يوجد ندرة في العمالة المصرية المدربة في جميع المجالات، إن البطالة المزعومة هي في الوظائف الحكومية التي لا تسمن ولا تغني من جوع بل هي أقرب لوظائف الصدقة، أي أن الحكومة تلجأ تحت الضغوط الاجتماعية والشعبية لتعيين آلاف من الشباب في المرافق الحكومية المختلفة بغض النظر عن حاجة الحكومة لهذه العمالة الزائدة، والناس في مصر قد رسخ في أذهانهم أن الوظائف الحكومية هي الأسلم والأفضل لأنها لا تعوق أعمالهم الخاصة، فالموظف الحكومي في غالب الحال يذهب للتوقيع ثم لا يلبث أن يستأذن تحت أي ذرائع وأحوال ليمارس عمله الخاص، فالموظف هنا يأخذ راتباً حكومياً ولو كان قليلاً دون أي عمل يعادل هذا الأجر، إضافة إلي امتيازات يحصل عليها كموظف من تأمين صحي ومعاش ومكافآت نهاية خدمة وربما حصل علي امتيازات نقابية مالية وترفيهية كالمصايف وغيرها، والأهم في كل ذلك أن الوظيفة الحكومية لا تعوق الموظف في ممارسة أعماله الخاصة، وأقوي دليل علي هذا الطرح حينما أستمع إلي عامل أو موظف يشكو قلة راتبه في مقابلة أعباء الحياة من طعام وشراب وكسوة وسكن ودروس خصوصية، فلو فرضنا أن هذا الموظف كما قيل ويتردد يحصل علي راتب في أصله ثلاثمائة جنيه، ولا يذكر باقي ما يحصل عليه من علاوات أو بدلات ترفع هذا الأجر إلي خمسمائة أو أكثر، والسؤال الآن كيف استطاع هذا الموظف بهذا الأجر أن ينفق علي أسرة قوامها خمسة أفراد لا أقول أكثر من ذلك في مراحل التعليم المختلفة؟ الإجابة واضحة إما أن هذا الموظف يعمل أعمالاً إضافية بجانب وظيفته وهذه الحالة لا تُذكر عند التقييم في بحث مشكلة البطالة، وإما أن هذا الموظف يسلك طريقاً إجرامياً مستغلاً وظيفته بالحصول علي أموال غير مستحقة من المواطنين، إذن هذه الحالة من الصخب حول البطالة وتدني الأجور لا تجعلنا نتفهم الموقف بشيء من الهدوء لوضع الحلول الفعالة لهذه الظاهرة المفتعلة أو المبالغ فيها، إنني أستمع ليل نهار إلي دعوات زيادة الأجور بصفة عامة وفي المقابل لم أستمع إلي دعوات لزيادة الإنتاج لمواكبة دعوة زيادة الأجور، إن الممثلين للعمال مثلاً يطالبون بزيادة أجورهم ولم نسمع منهم مرة أنهم حققوا إنتاجية عالية أو جودة مميزة وإنما فقط الحديث حول زيادة الأجور، ومن هنا أري كغيري ممن يتمنون صلاحاً اجتماعياً واقتصادياً وهو رأي بدهي قد عبر عنه رئيس الدولة في خطابه للعمال بربط الأجور بزيادة الإنتاج وجودته حينئذ تكون الدعوة لزيادة الأجور دعوة مستحقة يجب الوفاء بها، فمثلاً المصنع أو الشركة أو المرفق العام الذي يحقق نسبة مرتفعة في الإنتاج أو الجودة التي تزيد من التصدير يعطي منسوبوه نسبة مساوية لهذه الزيادة أو الجودة التي تحققت ومن هنا لا تمثل قضية الأجور عبئاً علي ميزانية الدولة والتي قد تلجأ إلي سياسة الجباية تحت أي مسمي لإرضاء عمالها وموظفيها وبالتالي ستكون لهذه السياسة الضرائبية أضرارها الاقتصادية ولو بعد حين، إن المتابع لسوق العمالة في مصر ليجد عجباً، فلا تمر علي محل من المحلات أو شركة من الشركات إلا وتجد إعلاناً عن طلب عمالٍ وموظفين ولا أقول ذلك مجافاة للواقع أو مبالغة فيما أقول بل أشاهد وأسمع، ولكن الثقافة التي لدي الراغبين في العمل ثقافة مغشوشة غير واقعية حيث يفضل الشباب أن يقعد علي المقاهي والنواصي والتهام مصروف من والديه علي أن يعمل بالأجر المعروض عليه وتلك مشكلة سلوكية فكرية تحتاج إلي توجيه، فالعاطل عن العمل عليه أن يعمل فيما هو متاح حتي يجد العمل الأفضل وهكذا اما أن يتزاحم العاطلون علي أبواب المصالح الحكومية وغيرها انتظاراً للوظائف العامة ثم التباكي علي قلة الدخل وقلة ذات اليد فهذا خلل في الفهم، ولتأكيد هذا المعني اسألوا أصحاب الأراضي الزراعية كم هي أجرة العامل الزراعي الآن؟ وكم يعانون من قلة في هذه العمالة؟! بل اسألوا أصحاب الأعمال المعمارية وكم يجدون من مشقة في البحث عن هؤلاء العمال مدربين أو غير مدربين حتي وصلت أجرة الصبي الصغير الذي قد يجرم القانون عمله في هذه السن إلي ثلاثين جنيهاً يومياً، أما الكبير فيصل أجره إلي الضعف أو أكثر ولا تسأل عن الجودة وإنما أتكلم عن الجودة المتوسطة، وإذا يممت وجهك إلي قطاع المطاعم والأشربة فستجد أن متوسط أجر العامل الذي يندر وجوده يتراوح ما بين 15 و 25 جنيهاً يومياً وهذا أجر العامل ذي الكفاءة المحدودة أما صاحب الكفاءة الكبيرة فلا يقل أجره يومياً عن 50 جنيها واسألوا أهل هذه المهنة، إذن نحن أمام ظاهرة تحتاج إلي طرح حقيقي حيث إن الثقافة الإعلامية ترسخ في أذهان الشعب ثقافة التسول وليس ثقافة العمل وجودته. 2- ارتفاع الأسعار: لا شك أن هناك انفلاتًا في أسعار السلع والخدمات يرجع في المقام الأول إلي نفسية المواطن في مصر حيث أصبح الجشع ثقافة يروج لها من خلال الفن وإسقاطاته ومن خلال الإعلام المنفلت حينما يركز علي أصحاب الأموال وتعميم الصفات الذميمة فيهم بحيث تنشأ روح الحقد والغل تجاه كل أصحاب الأموال وتترسخ ثقافة (اخطف واجري) وهذه ملاحظة واضحة لمن يتابع بعض الأفلام أو التمثيليات أو البرامج الإعلامية، وحينما ظهرت دعوة إيجابية في مكافحة الغلاء في الامتناع عن تناول اللحوم حدث نوع من تراجع أسعار اللحوم، بل هناك أمر لم يلتفت إليه أحد وهو متعلق بالبطالة وبارتفاع الأسعار ألا وهو مَن مِن الشباب العاطل عن العمل يستطيع أن يقبل العمل في مهنة رعي الغنم والماشية وهي مهنة امتهنها جميع الأنبياء حتي رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث صح عنه أنه رعي الغنم لبعض من قريش، فها هي دعوة موجهة لمن يعنيهم الأمر وإلي الشباب العاطل عن العمل هل يستطيع كل منهم أن يقبل العمل بهذه المهنة ويصبر عليها علي أن تقوم الجهات المعنية بتوفير عدد مناسب من الغنم أو الأبقار لمجموعات من الشباب تتحرك تحركات جماعية في المراعي الطبيعية المترامية الأطراف في أرجاء مصر من جنوب الساحل الشمالي إلي مرسي مطروح وعلي جانبي نهر النيل في الصحراء الشرقية والغربية، إذن ارتفاع الأسعار مرتبط بالإنتاج ومرتبط بثقافة المجتمع للعمل كقيمة بشرية، ومن السفه أن نضع العلة في النظام الحكومي دون غيرها من العلل. 3- تدني الأجور: وهذه دعوة عامة يرددها كل عامل وموظف في كل القطاعات فالأئمة والخطباء والمدرسون والأطباء ... إلخ يصيحون ليل نهار بالمطالبة برفع أجورهم، والسؤال الآن ماذا تحقق بعد زيادة راتب الأئمة والخطباء شهرياً 250 جنيها؟ وماذا تحقق بعد زيادة رواتب المدرسين وما سمي بكادر المعلم؟ وكذلك ماذا حدث بعد تعديل كادر الأطباء؟ هل تحقق مع هذه الزيادة في الرواتب تغير إيجابي لأداء هذه الطوائف المذكورة أم أن الوضع علي ما هو عليه لا فرق بين حالة زيادة الرواتب وحالة ما قبلها؟، إذن الأمر أكبر من أن نحصره في زيادة الأجور، فتربية المواطن تربية سليمة علي معتقد سليم وتدين رشيد هو المدخل الصحيح لتحقيق أي سياسة تنموية في مصر، أرجو أن أكون قد وفقت في بيان القصد وإن كان الموضوع أكبر.