أهم ما في التصرف السياسي الذي لجأ إليه رئيس الوزراء بالأمس، حين ذهب إلي مجلس الشعب طالباً تمديداً جديداً لحالة الطوارئ بعد أن تم تفريغها من أغلب بنودها، وبما يشبه الإلغاء، هو أن هذا لم يكن مفاجئاً بل جري التفكير العلني فيه.. وأنه يمثل نقلة نوعية.. وأنه يعبر عن توازن حقيقي بين الأمن والسياسة.. وأن فيه تأكيداً متجدداً علي تبعية الحكومة للحزب.. والأهم أن مصالح الناس لم تنهدر أثناء انشغال الحكومة بالتفاعل مع صخب النخبة السياسية بكل تنوعاتها. هذا كلام يحتاج بالطبع إلي توضيح.. وسوف أبدأ من النقطة الأخيرة. عملياً موضوع حالة الطوارئ، سواء امتد تطبيقها أو لم يكن قد امتد، لا يمثل بنداً حيوياً علي أجندة اهتمامات الرأي العام في مختلف بقاع مصر.. علي الرغم من الصخب الذي تثيره النخبة السياسية في مختلف المنابر والصحف والمحطات.. ناهيك عن الجدل المثار خارجياً حول مصر في هذا السياق، المواطن العادي ليس منشغلاً بهذا الأمر.. لأنه لا يمس مصلحة له.. ولأنه لم يتعرض لضغوط بسببه.. ولأن حياته ليست فيها مشكلة بسبب إجراءاته. كل استطلاعات الرأي تقول هذا.. وكل قياسات الاتجاهات. حتي علي مستوي التفاعل المباشر مع الناس.. الموضوعات الأهم تتعلق بشئون يومية اجتماعية واقتصادية.. ومن ثم فإن الاجتماع الحكومي الذي ناقش موضوع طلب تمديد الطوارئ يوم الاثنين كان قد انشغل الجزء الأطول منه بمجموعة من الإجراءات المالية التي تمثل منافع أساسية للناس.. ومنها قرار جمهوري بالعلاوة الاجتماعية.. وقرار زيادة المعاشات العسكرية.. وزيادة المعاشات المدنية.. وغيرها من أمور تتعلق بها الحياة اليومية للمواطنين. ولكي تبقي هناك تلبيات مستمرة لمصالح الناس، لابد أن يكون هناك اقتصاد ينمو، وهذا بدوره يحتاج إلي الاستقرار.. والاستقرار لا يتحقق إلا بحفظ الأمن.. وأخطر ما يهدد الأمن هو الإرهاب.. الذي لم تنفض سيرته.. وأصبح من ثوابت الحياة في مختلف الدول.. من الشرق إلي الغرب.. فالتفجيرات تضرب روسيا.. والميادين يتم إخلاؤها بعد العثور علي سيارات متفجرة في الولاياتالمتحدة.. ومصر كانت قبل أيام تشهد الحكم النهائي علي خلية من إرهابيي حزب الله كان بينهم من يراقبون مسار السفن في قناة السويس لكي يدمروها وتتعطل الملاحة. علي الهامش: هذا الهدف الذي سعي إليه إرهابيو حزب الله هو نفسه الذي قامت به إسرائيل في 1967 . أي تعطيل الملاحة في مجري مصر المائي الأهم دولياً. ولا يمكن التعامل مع الإرهاب وأخطاره المعلنة وغير المكشوفة في أغلب الأحوال بقوانين عادية.. الجريمة غير العادية تستوجب إجراء غير عادي.. والمجرمون الذين يتخلون عن كل قيمة ويبذلون كل شيء من أجل تدمير البلد والناس والحياة.. وبما في ذلك حياتهم الشخصية.. لا يمكن التعامل معهم بقوانين الاشتباه العادية أو العقوبات المعتادة.. هذا لا يحدث في أي مكان في العالم.. أنت لا يمكن أن تواجه شخصاً لغَّم نفسه بعبارة «سلم نفسك».. أو ارفع ذراعك لأعلي.. حين يرفع ذراعه سوف ينفجر في الجميع! واقعياً، لم يخل تاريخ مصر الحديث من اللجوء إلي مثل هذه الإجراءات الاستثنائية في مواجهة العنف.. هي يتم اللجوء إليها منذ 1914 حين اندلعت الحرب العالمية الأولي.. مع استثناءات زمنية بسيطة وقصيرة.. وعملياً لا يعاني الناس في مصر من قيود الطوارئ.. ببساطة لأنهم ليسوا جميعاً إرهابيين.. الذي يعاني هو الإرهابي أو الذي في طريقه إلي ذلك.. والحالة تطبق من أجل استقرار المجتمع وليس كما يدعي البعض من أجل حفظ النظام وحمايته. حسناً فعلت الحكومة حين طوَّرت الأمر هذه المرة.. وبما يمثل نقلة نوعية، بأن فرغت تقريباً بنود حالة الطوارئ من مضمونها المنصوص عليه قانوناً.. وقررت أن تلتزم رسميا وأمام مجلس الشعب فقط ببندين من التدابير التي يتم الاستعانة بها في تطبيق حالة الطوارئ.. أي بند مصادرة الأسلحة المرخصة.. أو الذخائر.. أو المواد القابلة للانفجار.. وهي أمور لا أعتقد أن غالبية المصريين منشغلون بها.. لأنهم بلا سلاح.. لا مرخص ولا غير ذلك.. والتدبير الثاني هو إجراءات الاعتقال التي تستخدم تجاه الإرهابيين.. هؤلاء كما أشرت لا يمكن التعامل معهم بطريقة «سلم نفسك».. لأن لديهم عقيدة وأوامر وغسيل مخ يأمرهم بأن «فجر نفسك». هذا الوضع الجديد في التعامل مع تمديد حالة الطوارئ لا أعتقد أنه يضيف جديداً إلا من الناحية النفسية علي المناخ السياسي.. إذ لم يكن له تأثير مادي من قبل.. ولأنه واقعياً لم يتم اللجوء إلي تدابير الطوارئ ضد أي ممارسة سياسية.. الاعتصام علي رصيف الحكومة ورصيف مجلس الشعب خير دليل علي ذلك. كسبت السياسة ضمانة جديدة، لم تؤد إلي الإخلال بالأمن ومتطلباته، وكسبت السياسة مرونة متفهمة وحميدة من المؤسسة الأمنية، ولكن أهم مكاسب السياسة هو أن الحكومة اندفعت في هذا الاتجاه وتلك النقلة النوعية في التعامل مع حالة الطوارئ، استجابة لتفكير الحزب.. ولرؤيته.. وللنقاش الذي امتد معه أكثر من شهرين.. مؤكدة تبعيتها له.. والتزامها بقراءته للحالة السياسية.. وتخديماً علي الأهداف المشتركة بين الحزب والحكومة.. وهي: حماية الاستقرار.. وحفظ الأمن.. وضمان حيوية الحراك.. وتنقية المناخ الديمقراطي من تشويهات مفتعلة. الحزب علي لسان أمينه العام صفوت الشريف قبل ما يزيد علي أسبوعين كشف عن توجهات تفكيره في اجتماع المجلس الأعلي للسياسات، والأمين العام المساعد أمين السياسات جمال مبارك قال في المؤتمر الصحفي التالي لو اضطرت الحكومة إلي طلب التمديد فإننا سوف نطلب ضمانات محددة بألا يستخدم هذا إلا تجاه الإرهاب والمخدرات.. ورئيس الوزراء قال بعد أيام من هذا لرؤساء التحرير إنه لن يكون تمديداً مماثلاً لكل مرة.. والرئيس مبارك في خطابه في عيد العمل أعلن تمسكه بالإصلاح السياسي وبحيوية الحراك،.. ولكنه طرح علي المعارضين سؤالاً مهماً: كيف يمكن أن نواجه مخاطر الإرهاب علي بلدنا وشعبنا؟ بالأمس عرفنا إجابة الحكومة.. علي سؤال الرئيس.. تري هل تريد المعارضة أن تكون الإجابة علي إرهاب «فجر نفسك» هي: عبارة «سلم نفسك»؟ [email protected] www.abkamal.net