جيمس جونز مستشار الأمن القومي الأمريكي كان بطل كثير من الصحف الأسبوع الماضي بسبب النكتة التي ألقاها في بداية حديثه في احتفالية معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني بمناسبة مرور 25 عاما علي إنشاء المعهد.. ومن المعروف أن هذا المعهد قد تم تمويله من قبل بعض اليهود الأمريكيين الذين - تبعا لموقع هاآرتس - يعملون بإدارته الآن.. وكانت النكتة التي ألقاها جونز قد قوبلت بعاصفة من الضحك علي عكس ما قد يظنه البعض حين يقرأون أن النكتة كانت تتناول اليهود بشكل نمطي (Stereotype ) وأن جونز قد قدم اعتذارا لأنه قالها. وتقول النكتة كما ألقاها جونز: كان هناك عسكري طالباني (أي ينتمي إلي طالبان) سائرا في الصحراء وحيدا ومنهكا يبحث عن بعض الماء ليشرب.. وإذا به يجد متجرا يملكه تاجر يهودي، فدخل المتجر وسأل عن ماء. أجابه التاجر اليهودي بأنه ليس عنده ماء ولكنه يستطيع أن يبيعه رابطة عنق!! اغتاظ الطالباني وسب ولعن وصاح ولكن التاجر لم يتأثر.. ولما انتهي العسكري من السب، قال له التاجر: إذا سرت عبر هذا التل ستجد مطعما في الناحية الأخري منه وهم يبيعون الماء هناك.. خرج الطالباني وبعد ساعة عاد للتاجر اليهودي قائلا: أخوك قال لي لا نسمح بدخول المطعم سوي لمن يرتدي رابطة عنق!! لماذا ضحك الحضور علي النكتة بالرغم من أنها تؤصل لفكر نمطي قديم جدا جدا عن جشع التجار اليهود وحبهم للمال وحذقهم في الحصول عليه بكل السبل؟ لماذا ضحك الحاضرون ومعظمهم من اليهود- - كما قالت هاآرتس في موقعها - علي ما كانوا يرفضونه وما زالوا من كل الطرائف والقصص والمسرحيات التي تناولت اليهود من هذا المنطلق ذاته مثل مسرحية شكسبير الشهيرة (تاجر البندقية)، التي طالما اتهموا شكسبير بسببها بأنه معادِ لليهود بالرغم من أن الرجل قد كتب مسرحيته ومات قبل أن يولد هتلر بأربعة قرون؟ ما الذي جعل هؤلاء يضحكون في رد فعل طبيعي وتلقائي قبل أن تعاد الحسابات وتظهر بعض التعليقات التي ترفض النكتة وفحواها وما تشير إليه؟ لقد ظهرت تعليقات مدروسة فيما بعد وصفت ما قاله جونز بأنه دعابة في غير محلها، وتخلو من الإحساس السليم، وأفضل ما يوضح ذلك هو تمثيلها بقول دعابة عن الأفارقة الأمريكيين في محفل لهم.. كما أن التسجيلات الرسمية والتقارير المكتوبة عن الاحتفال وما قيل فيه من كلمات، والتي سمح البيت الأبيض للمراسلين باقتنائها، خلت تماما من الدعابة ولم يكن بها سوي كلمة جونز دون ذكر النكتة علي الإطلاق وكأن الدعابة قد رفعت من مضبطة الاحتفال.. وقد اعتذر جونز عن قول النكتة موضحا أنها ربما لم تكن في محلها.. ولكن بالرغم من كل هذا سيبقي السؤال: لماذا ضحك الحضور من اليهود علي الدعابة التي تنمطهم؟ هل لأنهم رأوا فيها تفوقهم العقلي علي غيرهم؟ هل لأن بها ما يظهر تكاتفهم وتعاونهم علي خصومهم؟ هل لأنها انتهت بنصرهم وهزيمة الطرف الآخر؟ وهل أعمتهم تلك المفاهيم عن الصورة التي طالما رفضوها وحاكموا من تبناها، أو حتي وصفها؟ وهل كانوا ليقبلوا الدعابة نفسها لو لم يكن قائلها هو مستشار الأمن القومي الأمريكي؟