في الشهر الماضي أعدت إذاعة البي بي سي تقريرا عن استغلال أموال فرق الإغاثة من المجاعات في تسليح المتمردين وعدد من التنظيمات الإرهابية، وهو التقرير الذي لاقي رد فعل قاس من عدد كبير من النقاد والمعلقين الذين قالوا إن توقف الناس عن تقديم المساعدات والأعمال الخيرية سيكون بمثابة مأساة مخيفة تطول ملايين الضحايا المغلوب علي أمرهم في العالم كله. لكن هل تطيل المساعدات الإنسانية أمد الحروب؟ هذا هو السؤال الذي ناقشته الكاتبة والصحفية الهولندية ليندا بولمان، باستفاضة شديدة في كتابها الجديد؛ "ألعاب الحرب"، والذي توضح فيه أن المساعدات الإنسانية، صناعة يدخل فيها الضحايا مع وسائل الإعلام مع دعاة الحرب في دوامة من الدعم المتبادل مؤكدة علي أن المساعدات الدولية من إثيوبيا إلي أفغانستان إلي رواندا إلي السودان والعراق، تساعد المقاتلين ورجال العصابات فقط بينما يظل الضحايا الأبرياء غارقون في معاناتهم. وتشير بولمان إلي أن المساعدات لا تذهب إلي أهدافها المرجوة، وتضرب مثلا علي ذلك بكابول، والتي أصبح فيها عمال الإغاثة هدفا لطالبان وهو الأمر الذي يجعل هؤلاء العمال قلقين من الدخول في المناطق الخطرة لتقديم المساعدات إلي أهلها. وتتحدث بولمان بمنطق مؤلم قائلة أن المساعدات التي تذهب لمناطق النزاع، لا تقع أبدا في يد الضعفاء المحتاجين لها، بل يسيطر عليها الأقوياء، والذين هم أنفسهم المسلحون والمتمردون، فتقوي شوكتهم ويزيد اليأس والبؤس البشري وتعم الفوضي. وترصد الكاتبة تطور ونمو عملية المساعدات الإنسانية، قائلة أنه منذ نهاية الحرب الباردة وخلال الحروب بالوكالة التي خاضتها الدول الافريقية والآسيوية، وجدت وكالات المعونة صعوبة بالغة في الوصول إلي مناطق الحرب، لكن مع نهاية الاتحاد السوفييتي، أصبحت مناطق الحرب تلك بمثابة مناطق للمشاريع الخيرية وحدث توسع هائل في صناعة المساعدات، ففي 1980 كان هناك حوالي 40 منظمة دولية غير حكومية تتعامل مع اللاجئين الكمبوديين علي الحدود التايلاندية، وبعد عقد واحد من الزمان، أصبح هناك 250 منظمة خلال الحرب اليوغوسلافية . ولأن المساعدات الإنسانية لا تلقي رقابة صارمة فإنها تفقد قيمتها وتخلع صفة الإنسانية، وتسوق الكاتبة الأمثلة بدءا من بيافرا إلي دارفور، مارة علي المجاعة الإثيوبية إذ تسببت المساعدات الإنسانية في إطالة الحروب، وكانت بمثابة المكافأة لمرتكبي جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ولعل المثل الأبرز علي ذلك، هو الكارثة الإنسانية التي حدثت في رواندا حيث حصلت ميليشيات الهوتو، التي ارتكبت الفظائع قي حق التوتسي، علي الدعم والغذاء والمأوي، من باب مجاملة النداءات الدولية، في حين ظل الضحايا الباقون في مأساتهم. وتطلب بولمان من وكالات الإغاثة أن تجتمع من أجل مصلحة الشعوب، وهذا يعني أن عليهم الذهاب إلي تلك البلاد والمناطق وتقييم ما هو أفضل للشعب وليس ما هو أفضل لمؤسسات المساعدة، ففي دارفور تستطيع وكالات الإغاثة إنقاذ عدد أكبر من الأرواح بابتعادها عن تسخير مواردها في ظل منظومة فاشلة تتلاعب بالأرواح، تحيل المساعدات إلي صناعة وتضفي علي المعونات طابع الأعمال التجارية وليس الأعمال الإنسانية. وتشعر بولمان بالسخط من ذلك الكم من المتناقضات الذي يمزق العالم وتقول إن بوش يجب أن يحاكم علي ما اقترفه في العراق، كما تدعو كذلك الجيش الأمريكي إلي الذهاب إلي دارفور وتحثه علي عدم الذهاب وراء النفط، ولكن الذهاب لملاحقة انتهاكات حقوق الإنسان ورصد حجم المعاناة التي يغرق فيها البشر. وتقول بولمان أنها لا تدعو للحد من المساعدات الإنسانية، ولكنها تدعو الوكالات للتخلي عن التنافس ومواجهة التقصير والعجز،إذ علي الوكالات أن تستعيد هدفها الأصلي لأن الأمر لا يتعلق بالتجارة أو الكسب أو التأثير والانتشار ولكنه يتعلق بإنقاذ أرواح الملايين.