انتهي زمن حلم تحرير «فلسطين» من براثن الصهاينة المحتلين وانتهي زمن الخلاف حول شكل الدولة الفلسطينية بعد التحرير!! وهل تكون اشتراكية ديمقراطية أم تكون ليبرالية علمانية؟! انتهي ذلك كله منذ سنوات وعلي أيدي الأخوة الفلسطينيين أنفسهم. غابت القامات الفلسطينية الكبيرة التي وهبت حياتها وعمرها لإنجاز وتحقيق حلم الدولة الفلسطينية التي عاصمتها القدس الشريف. مات الحلم الفلسطيني في نفس اللحظة التي بدأت فيها الفصائل والجبهات الفلسطينية معارك التخوين والتكفير والاتهامات المتبادلة بين كل الفصائل وضد كل الفصائل!! ضاعت فلسطين بين «حماس» و«فتح» وصراع عبثي بلا معني أو مبني علي السلطة حيث لا توجد سلطة!! وانتهي زمن العمليات الفدائية ضد قوات المحتل وبدأ زمن عمليات التصفية الجسدية بين حماس وفتح نسينا المقاومة الحقيقية لالحاق الأذي بالمحتل وبدأ نضال الفضائيات وبيانات التنديد والشجب علي الهواء مباشرة وسط المئات من ميكروفونات وشاشات الفضائيات! ولم تعد أحوال فلسطين البائسة والمحزنة تشغل بال أحد مع الأسف الشديد وضاعت صيحات عاقلة محترمة وسط زفة الشعارات والأصوات العالية الصراخ والزعيق!! في زحام هذا السخف باسم المقاومة من لقاءات وبيانات وندوات وخبراء علي كل لون ومحللين استراتيجيين منتشرين في كل مكان يحاصرونك باللت والعجن والكلام الفارغ والتافة استوقفني كلام عاقل جدا ومحترم جدا لم يلتفت إليه أحد!! شهدت مدينة رام اللهالفلسطينية هذا الكلام الرائع لشخصيات محترمة يوم 13 ديسمبر سنة 2009 أي منذ حوالي أربعة شهور. وحقيقة ما جري أن ست عشرة شخصية مسيحية فلسطينية أصدرت وثيقة سياسية أطلقت عليها عنوان «وقفة حق» ناشدوا فيها مسيحيي العالم كله التحرك في سبيل فلسطينوالقدس ورأت في الاحتلال الإسرائيلي للأراض الفلسطينية خطيئة ضد الله والإنسان هذه الوثيقة المهمة صدرت في كراس عن «منتدي الوفاق الوطني والفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي ومؤسسة أديان ثم أعادت مجلة الدراسات الفلسطينية نشرها في عددها الأخير الصادر منذ أيام. لقد عمل القائمون علي هذه الوثيقة مدة أكثر من عام قضوها في صلاة ونقاش مسترشدين بإيمانهم وحبهم لشعبه مستمدين النصح من كثيرين آخرين فلسطينين وعرب ودوليين حتي استطاعوا الخلوص إلي وضعها في صورتها الحالية. تقول سطور «وقفة الحق» وهو عنوان الوثيقة هذه الوثيقة هي كلمة الفلسطينية للعالم حول ما يجري في فلسطين. هي وثيقة كتبت في هذه اللحظة الزمنية التي تريد أن نري فيها تجلي نعمة الله في هذه الأرض المقدسة وفي المعاناة التي نمر بها وبهذه الروح تطالب والوثيقة المجتمع الدولي بوقفة حق تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطيني من ظلم وتشريد ومعاناة وتمييز عنصري واضح منذ أكثر من ستة عقود وهي معاناة مستمرة تمر تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الصامت والخجول في نقده لدولة الاحتلال - إسرائيل! كلمتنا هي صرخة رجاء وأمل مغلفة بمحبة صادقة مقرونة بصلاتنا وإيماننا بالله نوجهها إلي أنفسنا أولا وإلي كل الكنائس والمسيحيين في العالم نطالبهم بالوقوف ضد الظلم والتمييز العنصري ونحضهم علي العمل من أجل السلام العادل في منطقتنا داعين إياهم إلي إعادة النظر في أي لاهوت يبرر الجرائم المرتكبة ضد شعبنا ويبرر قتله وطرده من وطنه وسرقة أرضه! نعلن نحن الفلسطينيين المسيحيين في هذه الوثيقة التاريخية أن الاحتلال العسكري لأرضنا هو خطيئة ضد الله والإنسان وأن اللاهوت الذي يبرر هذا الاحتلال هو «لاهوت» تحريفي وبعيد جداً عن التعاليم المسيحية حيث إن اللاهوت المسيحي الحق هو لاهوت محبة وتضامن مع المظلوم ودعوة إلي إحقاق العدل والمساواة بين الشعوب. هذه الوثيقة ليست عضوية أو وليدة مصادفة وليست دراسة لاهوتية فكرية أو ورقة سياسية فحسب بل هي وثيقة إيمان وعمل تنبع أهميتها من تعبيرها الصادق عن هموم هذا الشعب ومن رصدها للمرحلة التاريخية التي نمر بها كما هي ودون مواربة ومن جرأتها في طرحها للحل الذي سيؤدي إلي السلام العادل والدائم آلا وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وكل أنواع التمييز العنصري وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس هي نداء لإسرائيل نفسها لتعي الظلم الذي تفرضه علينا فتضع حداً له وهي مطالبة للشعوب والقادة السياسيين وأصحاب القرار للضغط علي إسرائيل واتخاذ الإجراءات القانونية لإنهاء تسلطها واستهتارها بالشريعة الدولية وتعلن الوثيقة موقفها بأن المقاومة غير «العنفية» لهذا الظلم هو حق لجميع الفلسطينيين وواجب عليهم. وتمضي وثيقة «وقفة حق» إلي القول نأمل نحن الفلسطينيين المسيحيين من هذه الوثيقة أن تكون دافعة لجهود كل محبي السلام في العالم وعلي الأخص أخواتنا وإخواننا من المسيحيين وأن تلقي كما حصل مع وثيقة جنوب أفريقيا الشهيرة الصادرة عام 1985 الترحاب والتأييد فتكون أداة للنضال ضد الظلم والاحتلال والتمييز العنصري لأن هذا هو في مصلحة شعوب المنطقة كافة دون استثناء ولأن القضية ليست قضية سياسية فحسب بل هي سياسية يدمر فيها الإنسان نسأل الله أن يلهمنا جميعا ولاسيما المسئولية وأصحاب القرار أن يجدوا طرق العدل والمساواة وأن يدركوا أنها الطريق الوحيد إلي السلام المنشود. باقي تفاصيل وثيقة «وقفة حق» المقال المقبل.