من المفارقات الغريبة والتي تعتبر احدي عجائب المصريين هذه الأيام أن يطلب عضو بمجلس الشعب ويؤيده آخر أن تقوم الشرطة بضرب المتظاهرين بالنار، أي بالرصاص الحقيقي أي أن تقوم الشرطة بقتل الشعب، من المعروف والمتفق عليه أن نواب الشعب منتخبون من الشعب للدفاع عنهم والعمل لصالحهم ومحاسبة الحكومة إن قصرت في حق الشعب ومن المعروف أيضا أن البوليس في الخارج لا يستخدم العنف ضد المتظاهرين خوفا من البرلمان ونواب الشعب الذين يقفون بالمرصاد لمن يحاول أن يصادر التعبير عن الرأي، ثم إن الجملة الشهيرة المعلقة في معظم أقسام الشرطة تقول الشرطة في خدمة الشعب لكن من العجيب في بلد العجائب هذه الأيام إن صح ما نشر في الصحف أن يقول عضو مجلس الشعب عن شباب 6 أبريل أنهم شوية صيع مأجورون، ممولون من الخارج، سكاري وبتوع بانجو، لا يستحقون سوي الضرب بالنار، فلنضرب علي ايديهم بأيد من حديد، والحقيقة أن هذه التعبيرات، تدين قائلها، إنهم يتحدثون عن شرعية استخدام العنف إذا أخل هؤلاء بالأمن العام، والسؤال ما هي حدود الاخلال بالأمن العام؟ بالطبع مافعله هؤلاء في أن يقفوا أمام مجلس الشعب يرفعون اللافتات ويصيحون ببعض الشعارات ومحاولتهم التحرك، كل هذا ليس إخلالاً بالأمن العام، فالاخلال بالأمن العام يقع عندما يستخدم المتظاهرون العنف ضد البشر أو المنشآت، بالضرب والحرق.. إلخ، والعجيب أيضا أن الإخوان المسلمين الذين يدافعون عن هؤلاء المتظاهرين يستخدمون العنف في مظاهراتهم أو اعتراضهم وهم هنا يتحدثون عن أن اعتداءات الشرطة علي هؤلاء الشباب هو اعتداء علي الدستور واساءة لسمعة مصر، أما التدريب لطلاب الأزهر علي الكاراتيه وتغطية وجوههم وتدريبهم علي استخدام السلاح، فهذا ليس اعتداءً علي الدستور ولا توجد به شبهة اساءة لسمعة مصر، ولاشك أن أحدًا لا يمكن أن يوافق علي إهانة لأي فتاة تعبر عن ذاتها بشعارات مهذبة، ولا احد يرضي بألفاظ خارجة من المتظاهرين أو البوليس، أما النائب الذي تحدث قائلاً: لو أن الأمر بيدي لاستجوبت وزير الداخلية بسبب حنيته في التعامل مع هؤلاء الخارجين عن القانون، ويصيح يا وزير الداخلية احنا 80 مليون - بناقص شلة فاسدة ومتجاوزة عايزين يرجعوا أيام انتفاضة الحرامية، ثم يردد صدي هذه الكلمات نائب آخر لن تسقط مصر في يد من لا يصلون ركعة واحدة والشيوعيين، هذه الشعارات - عزيزي القارئ - كانت تردد في الستينيات والسبعينيات وكنا نصدقها بسذاجة عجيبة، وهذه الشارات كانت هي السبب المباشر أو أحد الأسباب المباشرة لنكسة 1967 لأنها أغنتنا عن معرفة عدونا ومدي القدرات التي لديه، وضخمت من قدراتنا وألهتنا عن الفساد الذي نخر العظام في الستينيات، ثم هي أيضًا التي بسببها استدعي السادات الجماعات الإسلامية لضرب الشيوعيين وخاصة الطلبة منهم لحماية الامن القومي، وكانت النتيجة هي ما نحن نعيش فيه اليوم، هذه الشعارات العنترية اليوم لا تقنع أحدًا، من المستحيل أن تقنع رئيس الدولة أو رئيس الحكومة ولن تدعهما يتخذان قرارات سيئة السمعة ضد حرية التعبير، ولن تقنع أحدًا خارج مصر فالعالم كله أصبح يسخر من مثل هذه الشعارات، ومن سخريات القدر أن نائبا آخر يقترح تخصيص حديقة للمتظاهرين مثل هاير بار في انجلترا، والسبب هو تعطيل المتظاهرين للمرور، إن الدول التي تريد أن تحيا في القرن الحادي والعشرين وتتفاعل وتتكامل مع العالم عليها أن تطلق حرية التعبير مع وضع نظام محدد كما في دول العالم، أي يكون هنالك إذن بالمكان والزمان والغرض، وأن ترفع الشعارات وإن يكون هناك التزام بعدم العنف، وأن يقوم البوليس بحماية المتظاهرين. وهكذا نستطيع أن نستوعب جميع التيارات ونجعلها تصب في مصلحة ومستقبل الوطن، هذا أو الفوضي.